سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

نبذة مختصرة للتعريف به و بمكانته ومؤلفاته و دوره في خدمة الطريقة التجانية و نشرها 

بقلم أحد الأحباب جزاه الله خيرا مأخوذة من كتب سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه 

هو العلامة تاج المحققين و قدوة العارفين الفرد الغوث أبو علي الأحسن بن محمد ابن أبي جماعة الايكيضي البعقيلي الولتيتي ينتهي نسبه الشريف الى سيدنا الحسن السبط بن سيدنا علي و سيدتنا فاطمة الزهراء رضي الله عنهم أجمعين 

الايكيضي – نسبة الى قرية ايكيضي احدى قرى بعقيلة سميت بذلك اضافة الى جبل ايكيضي الذي قامت عليه 
– البعقيلي – نسبة إلى قبيلة بعقيلة و هي فرع من مجموع قبائل اداولتيت المستوطنة في غرب الأطلس الصغير – بلاد جزولة

ولادته ونشأته 

ولد الشيخ البعقيلي في مطلع القرن 14 الهجري وأبوه هو الولي الصالح سيدي محمد ابن محمد و أخبر سيدي الحسن أنه مر يوما بمحل دفنه بعد وفاته فخرج اليه وقال له : اجتهد و احفظ القرآن فإن الناس أرادوا فيك علوما كثيرة ، توفي رحمه الله وعمر صاحب الترجمة ثمان سنوات 
أما أمه الشريفة العفيفة الذاكرة الناسكة السيدة عائشة فقد كانت فقيهة صالحة تكثر من الذكر و خصوصا الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وكلمة الإخلاص فإنها أخبرت ولدها أنها كانت مواظبةعلى ما يقرب يوميا من سبعين ألف من الصلاة النبوية و تذكر من الهيللة عشرة آلاف وهذا قبل أن تتمسك بالطريقة التيجانية ، وبسبب ذلك كانت كثيرة الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أخبرت إبنها أن رجلا أتاها وهذا في البداية و دخل عليها وهي تذكر فألقت عليها نقابـها و استحيت منه فقرب منها وهي تبتعد منه و صار يكشف نقابها و يبتسم فعلمت أنه رسول الله صلى عليه وسلم   
وكانت لها كرامات كثيرة و أحوال عجيبة 
و هي أول من أخد الطريقة عن ولدها الأستاذ بعد رجوعه من عند شيخه سيدي الحاج الحسين الإفراني 

إختصار مراحل حياته 

من الإمكان إختصار سيرته الذاتية في ثلاثة مراحل كبيرة وهي

االمرحلة الأولى من ولادته ـ إلى عام 1322 هـ 
و هي المرحلة الخاصة بحياته في جنوب المغرب و تجوله في ربوعه 

توفي أبوه وهو في الثامنة من عمره و أجبره أخوته على ترك التعليم و الاشتغال برعي الغنم فبقي يرعاه ست سنين 
لما بلغ 14 من عمره غادر قريته و التحق بقرية تاسيلة و استكمل هناك حفظ القرآن بعد صعوبة ومشقة ، يقول رضي الله عنه : صعب علي حفض القرآن فبكيت على الله يومين كاملين فأرسل إلي أحد عشر ملكا على صورة غلمان فمسحوا على وجهي فمن ثم صار يظهر لي الحزب الذي أريد قراءته هو وإعرابه ووعده ووعيده وسره ومعناه وناسخه ومنسوخه ولله تمام الحمد 

في أول كتاب الشرب الصافي قص رضي الله عنه رؤياه النبوية المشهورة و المذكورة و التي تدل على ما يصير إليه أمره من كونه على قدم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه سينال الإمامة في الدعوة إلى الله و أن النبي صلى الله عليه وسلم سقاه بيديه الشريفتين من عين الشريعة و من عين الطريقة ومن عين الحقيقة ، و في هده المرحلة كان الأولياء الأحياء و الأموات يحضونه على طلب العلم لأن الناس ينتظرون منه الكثير 
 وفي سنة 1321 هـ تمسك بالطريقة التيجانية باوريكة على يد العلامة السيد الحاج علي المسفيوبي رحمه الله  

المرحلة الثانية من عــام 1323 هـ إلى عام 1341 هـ
و هي الخاصة بحياته في شمال المغرب من فاس إلى طنجة والقصر الكبير و النواحي

لما حصل ما كتب له من العلم بسوس سافر إلى فاس و إلتحق بجامعة القرويين و كان نازلا بمدرسة الصفارين فبقي يتلقى العلم هناك طيلة 9 أشهر 
 تم سافر إلى الشراكة لتكميل تربية المقدم ابن سلطان و لتعليم أولاده بإذن من سيدنا الشيخ التيجاني رضي الله عنه
ومن الشراكة سافر إلى مدينة القصر الكبير و سكن بها و أحيا بها العلم و نشر المعرفة و الطريقة التيجانية بالمدينة ونواحيها حتى شهدت المنطقة يقضة علمية لم تشهدها من قبل و لا من بعد ، وغادر القصر الكبير ليسكن بمدينة سطات 8 أشهر يدرس بزاويتها تم منها إلى قبيلة الخزازرة بالشاوية وهناك قام بنشاط كبير علما و طريقة 

المرحلة الثالثة من عام 1341 هـ إلى عام 1368 هـ 
و هي مرحلة سكناه بالشاوية ومدينة الدار البيضاء

في سنة 1345 هـ سافر إلى الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج و في سنة 1348 هـ إنتقل إلى مدينة الدار البيضاء حيت سيقطن بها و يحط بها الرحال نهائيا مع أنه لم يتخل عن أسفاره و تفقده للقرى و المدن التي كلف بالسفر إليها 
وفي سنة 1353 هـ أنشأ مطبعته العربية التي طبع فيها كتبه وكتب غيره وساهم بها في نشر العلم و الوعي و بنى بالدار البيضاء زوايا منها زاويته الكبيرة بدرب غلف وعمرها بالعلم والذكر و إستقبال الزوار و الخطبة يوم الجمعة وبقي على نشاطه إلى أن مرض عام 1367 هــ مرضا كابده طيلة سنة و إشتد عليه شهرين قبل وفاته و كانت وفاته ليلة الجمعة عاشر شوال عام 1368 هـ الموافق ل 1949 م على الساعة الثانية عشر وثلث ليلا وكان يوم جنازته يوما مشهودا حضره خلق لا يحصى من العلماء و المقدمين والفقراء والمحبين وغيرهم و تولى الصلاة عليه خليفته ووارث سره ولده العلامة سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه و دفن بمقبرة طريق أولاد زيان 
و تشاء القدرة الإلاهية أن ينتقل بعد وفاته ب 50 سنة تقريبا فقد نقل بتلك المقبرة صبيحة يوم الخميس 25 محرم 1417 هـ ليدفن بمقبرة الغفران فوجدوه كما هو لم يتغير منه شيء رضي الله عنه و صلى عليه إماما الشريف سيدي محمد الكبير التيجاني رضي الله عنه الخليفة العام للطريقة حاليا في المغرب

في مجال العلم 

أخذ صاحب الترجمة عن أساتذة مرموقين في البلاد السوسية و غيرها و كان كل واحد منهم من خيرة علماء وقته تشد له الرحال من كل ناحية أخد عنهم ما كتبه الله له و نهل من معارفهم رغم قصر المدة التي قضاها مع كل واحد منهم نسبيا 
وأما علماء فاس الذين أخذ عنهم فلم يذكرهم أحد من مترجميه ولا شك أنه رضي الله عنه فاق هؤلاء السادة علما و عطاء وشهرة ويكفي دليلا على ذلك ما خلفه من آثار علمية مخطوطة ومطبوعة و هي كثيرة ومعروفة
وتفوقه رضي الله عنه أكبر لأنه علاوة على تلك العلوم الرسمية فقد أدرك علوما لدنية وهبية لا يدركها إلا أكابر العارفين ، أدرك ذلك بفتح من الله و عناية منه سبحانه خارقين للعادة وليس عن مطالعة ـ كان لا يطالع الكتاب إلا إذا أراد أن يعرف درجة صاحبه ـ و لا بممارسة بل هذا من الخوارق الغريبة و العجيبة التي أكرمه الله بها  

في مجال الطريقة 

تلقى الإذن في الطريقة أولا عن المقدم العلامة الأستاذ سيدي الحاج علي المسفيوي سنة 1321 هـ 
ثم تلقى الإذن فيها وتقديم التلقين فقط عن القطب سيدي الحاج الحسين الافراني بعد مدة قليلة ثم اجازه اجازة مطلقة شفوية و قال له سر انت خليفتي من بعدي 
 و تلقى الإجازة المطلقة القولية عن المقدم سيدي عبد الله القشاس رحمه الله
وتلقاها عن القطب الشريف سيدي محمود التجاني رضي الله عنه الذي كلفه بالإشراف على جميع الزوايا بالمغرب و على تصحيح الإجازات لمقدميها 
ثم تدبج أي تبادل الإجازة مع العارف سيدي الحاج علي الاساكي رضي الله عنه كما في كتابه الإراءة 
 وحصل له ماهو أعلى من ذلك فقد أجازه سيدناالشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه الإجازة المطلقة  و قال له أذنتك في طريقتي بنية الإسم الأعظم في جميع الأذكار منها ثم قال له أنت رئيس العلماء وسيدهم وإمامهم 

اجتهاده في خدمة الطريقة التجانية و تفانيه في نشرها 

ويظهر ذلك بما يلي 

 بالإشادة بصاحب الطريقة سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه و نشر محاسنه مناقبه و علومه وخصائصه ونشر محاسن وخصائص طريقته و أهلها وما أكرمه الله به من فضله الواسع العميم وذلك في كل المحافل و التآليف و الرسائل حيث ما حل وارتحل بشكل مستمر و مستفيض مما لم يسبقه إليه كثير من علماء الطريقة التجانية 

 بذله الوسع و الجهد في إرشاد أهل هذه الطريقة بالقلم و اللسان و ذلك بالإتصال المباشر بهم حضرا و سفرا فكان لا يتوانى و لا ياخذه العجز أن يتكبد المشاق و يواجه الصعاب في سبيل ذلك ،فلا يكاد يستريح من سفر حتى يقوم بآخر فلم يكن يكل و لا يمل من كثرة الأسفار و التنقل في سبيل نشر تعاليم الطريقة و تصحيح مفاهيمها و بيان أحكامها وآدابها سواء في البوادي أو الحواضر و بكل الوسائل المتاحة 
ما كان يكاتب المقدمين و الفقراء بكل المناطق يرشدهم وينصحهم و يحرضهم على اللاتباع وينهاهم عن الابتداع ويبين لهم ما فيه رشادهم وصلاحهم ويجيبهم عن تساؤلات فيما يخص فقه الطريقة وغوامضها وييسر لهم وينير لهم سبل الترقية و التصفية والتزكية فيها حتى يصل إلى أوج المعرفة العيانية الصحيحة فيها و يدلهم على حب الله و حب رسول الله صلى الله عليه وسلم و حب أمتهم وحب الشيخ التجاني رضي الله عنه و أصحابه و فقرائه لوجه الله لا لغرض فخلف لنا و للأجيال المقبلة بعدنا رصيدا هائلا من الرسائل التوجيهية النافعة و كما وافرا من النصائح مما يحتاج إلى من يعتني بجمعه لينتفع الإخوان كافة به

ومن مساهماته في نشر الطريقة ما خلفه من مؤلفات في علوم الطريقة ومعارفها 
وبيان دقائق أذواقها و أسرار أحكامها كالإراءة و الشرب الصافي و غيرهما 

 ومن نشره للطريقة كثرةالذين تخرجوا فيها على يده و الذين يعدون بالآلاف سواء من تلقوا عنه التلقين و الإجازة بالتقليد أو بالإطلاق و دكر هو بنفسه أن عدد المجازين من طرفه يفوق 1200 فردا . كـــما تخرج على يده العديد من أكابر العلماء والعارفين الذين انتشروا في كل أنحاء المغرب وخارجه و جلهم بلغ درجة التربية الخاصة في الطريقة التجانية

ومن مظاهر نشره للطريقة إنشاؤه لما يناهز 150 زاوية من شمال إلى جنوب المغرب وإشرافه عليها و اعتنائه بها إصلاحا و ترميما مع تفقدها من آونة إلى أخرى و تيسير مصاريفها ونفقاتها 
و لقد نشط رضي الله عنه في هذه الميادين المذكورة نشاطا متواصلا لا يعرف الكلل ولا الملل مؤيدا بالعناية الإلاهية و المعونة الربانية مدفوعا بهمته العالية ومحبته المتفانية 

كرامتان لصاحب الترجمة 

لايمكن أن نتكلم عن صاحب الترجمة ومكانته في الطريقة التجانية و في المعرفة الإلاهية و بساط الولاية الخاصة دون التعرض إلى ما أكرمه الله به في هذا النطاق من الكرامات والمناقب، و اذا كانت الكرامة هي الأمر الخارق للعادة فأمور سيدي الحاج الحسن البعقيلي وتصرفاته وشؤونه كلها خارقة للعادة فكله كرامة وكراماته لا حصر لها ،  و نكتفي بذكر كرامتين منها

الكرامة الأولى الإستقامة 

الإستقامة هي كمال متابعة النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا حركة وسكونا حتى في أدق الأمور و هذا أوجها و أعلاها وهي بهذه الصفة أصعب المقامات عند الصوفية و لا يطيقها إلا أكابر الورثة المحمديين و لا يعرفها و يلتزم بها إلا الأقوياء من الخاصة العليا، و لقد كثرت عبارات القوم في تعريف الإستقامة ووصفها و ذكر ثمراتها و مزاياها وخصائصها و نكتفي بهذا التعريف الجامع لتلك التعريفات الوارد في كتاب البغية لسيدي العربي ابن السائح التجاني إذ يقول رضي الله عنه : وحاصلها أن تحفظ على العبد آداب الشريعة وأن يوفق لفعل مكارم الأخلاق و اجتناب سفاسفها و المحافظة على أداء الواجبات في أوقاتها والمسارعة إلى الخيرات و طهارة القلب من كل صفة مذمومة وتحليته بالمراقبة مع الأنفاس و مراعاة حقوق الله تعالى في حق نفسه وفي الأشياء و مراعاة أنفاسها في دخولها وخروجها فيتلقاها بالأدب و يخرجها وعليه خلعة النور

وهذه النعوت و الأوصاف تنطبق على صاحب الترجمة أتم انطباق و أكمله فمن تأمل سيرته وقرأ كتبه وعلم معاملته مع الله ومع خلقه رآها متجسدة فيه وعاين ما أكرمه الله به من كمال اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وعملا وحالا ظاهرا وباطنا

الكرامــــة الثانية هي البركة في العمر في كل الحركات 

و هذه كانت ظاهرة للعيان وهي من كراماته الباهرة التي ميزه الله بها بين الأقران  ويكفي للدلالة على ذلك ما قام به من أعمال مما يستغرق سنوات عمره أضعافا كثيرة 
و  نعطي مثالا على ذلك ما ألفه من تآليف و كتبه من كتابات علما و طريقة في سائر الموضوعات المعرفية و ما أنشأه من رسائل و أجوبة وإجازات مما لو جمع ووزع على أيام حياته لوسعها وزاد عليها 
و يزيد وضوحا لعظمة هذه الكرامة ما كان مشتغلا به من شؤونه الخاصة وشؤون عائلته الكبيرة و شؤون الزوايا التي كلف بها واستقباله للضيوف و الزوار الوافدين عليه من كل حدب وصوب في كل الأوقات و طيلةالسنة وفي كل المناسبات مع ما كان يقوم به من أسفار وتنقلات عبر الوطن هذا علاوة على عبادته وتكاليفها و توجهاته وأذكاره ودروسه الخاصة والعامة ،فالرجل كان كالساعة لا يتوقف إلا للنوم الذي كان لا يستغرق أكثر من ثلاث ساعات على الأكثر 
فمن تأمل كل هذا رأى فيه ظاهرة خارقة وغير معتادة امتاز بها مترجمنا رضي الله عنه و قضى العجب من نشاطه وحيويته فكل أوقاته مشغولة وكلها في طاعة الله و عبادته لا يخرج عن الحضرة الإلاهية عاكفا عليها بقلبه و كل جوارحه مع المحافظة على آدابها فلا يشغله وقت عن وقت ولا شغل عن شغل 
و يدل كل هذا على إعانة الله له و عنايته به و توفيقه له كما يدل على وراثته النبوية الخاصة التي هي النتيجة الحتمية للكرامة التي بدأنا بها وهي الإستقامة على النهج النبوي والسير المصطفوي دائما و أبدا

وهناك كرامات أخرى لصاحب الترجمة شائعة وذائعة ككشفه و إخباره بالمغيبات وتصرفه في الثقلين و تسخيرها له وطي المسافات و طي الذكر عددا ووقتا و فيضان الخيرات و البركات الإلاهية ومحبة الخلق له إلى غير ذلك مما يطول ذكره

مناقبه رضي الله عنه 

 
أما مناقبه رضي الله عنه فهي كثيرة أيضا نذكر منها أعظمهاوهي مقامات الولاية العالية التي أخبر عن نفسه إدراكها تحدثا بنعمة الله تعالى 

وكان توصله وحلوله بمقام القطبانية العظمى أو الغوثية سنة 1346 هـ وهو في     قصبةالخرارزة بقبيلة الشاوية

منقبة جليلة وفريدة 

وذلك بما كان يكلفه به سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه بمهام ومهمات وهناك حكايات كثيرة في هذا الصدد  

  : ومن ذلك أن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه أمره بالذهاب إلى فاس وقال له «  أدرك الشيخ النظيفي فقد اجتمعوا على قتله وأفتوا بذلك  » وذلك لما قاله في كتابه الطيب الفائح عن صلاة الفاتح أنها من كلام الله القديم، ولما وصل إلى الزاوية الكبرى بفاس جمع علماء الطريقة التجانية ومنهم من وقع على الفتوى وبين لهم الصواب والمعنى الصحيح في كلام العارف النظيفي حتى أقنعهم فتراجعوا وزرع في قلوبهم روح اليقين ورفع معنوياتهم المنهارة 
وأحيى حماسهم أمام تعصب علماء القرويين وما أثاروه من فتنة بفاس ، وما لبث أن جاء جواب السلطان المولى يوسف يأمر علماء المجلس برفض قرارهم و إلغائه والتوقف عن متابعتهم للفقيه النظيفي والإمتناع عن مسه بأي أذى 
وفي هذه الأزمة التي فتن بها أهل الطريقة التجانية ألف صاحب الترجمة تأليفه القيم النفيس ” النفحة الربانية ” ورسالة أخرى ينتصر فيها لأخيه في معرفة الله وفي الطريقة سيدي الحاج محمد النظيفي رضي الله عنه ، كما قام علماء الطريقة و أدباؤها قومة واحدة ونافحوا عنه نثرا وشعرا في انتفاضة واحدة أظهرت غيرتهم على الطريقة وصاحبها رضي الله عنه 

بعض حكاياته مع العلماء 

مع العلامة المحدث سيدي محمد بن أحمد ألفا هاشم الفوتي رضي الله عنه

هذا السيد من أكبر رجالات الطريقة التجانية و من أعلام علمائها المرموقين و هو ابن أخ السلطان المجاهد الخليفة سيدي الحاج عمر الفوتي رضي الله عنه
و هو من أكبر حفاظ الحديث النبوي الشريف في عصره فقد كان يحفظ مائتي ألف حديث بأسانيدها فكان بحق محدث الحرمين، أخذ عنه العلماء من مشارق الأرض و مغاربها و طبقت شهرته العالم الإسلامي،و له تآليف عديدة طريقة و علما 
لما زار سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه المدينة المنورة و تشرف بالمثول بين يدي سيد الكونين صلى الله عليه و سلم و أدى ما يجب من زيارته صلى الله عليه و سلم صار يبحث عن الزاوية التجانية في المدينة المنورة فأرشدوه إليها فإذا البناية التي هي فيها عمارة من طوابق ، فلما دخل و جد العلامة الفا هاشم جالسا يستقبل وجوه الزوار الذين يردون لزيارته و التبرك به و الأخذ عنه، فسلم عليه صاحب الترجمة فلم يعره أي انتباه ، فجلس مع الناس و على عادته فإنه لايسكت بل يثير المذاكرة ، فسأل صاحب الترجمة ألفا هاشم قائلا سيدي هل هذه زاوية أو دار تذكرون فيها ، فأجابه ألفا هاشم ؛ بل هي زاوية ،فقال له ؛ لا يصح أن تكون هذه زاوية لأن فوقها طبقات مسكونة وهي مسجد و المسجد يملك مافوقه إلى قبة العرش ، فهز هذا الكلام السيد ألفا هاشم و أثار إهتمامه و انتباهه لهذا السيد الذي أجاب هذا الجواب الذي لا يليق إلا بأكابر العلماء ،و وهذه كــانت عادة صاحب الترجمة يهز مخاطبه و يزعزعه بعلمه فلا يملك إلا أن ينتبه إليه و يعطيه ما يستحقه من عناية و اهتمام ، فالتفت ألفا هاشم بكل جسده إلى سيدي الحسن البعقيلي و أعطاه اهتمامه كله و أعرض عن الحاضرين ، ثم سأله ؛ فماذا أفعل هل أهدمها ؟ فأجابه ؛ لا ففي هدمها فساد و الله لايحب المفسدين ، فسأله ثانية ؛ فما أفعل إذن ؟ فأجابه ؛ بل تبيعها وتشتري بثمنها أرضا و تبني فيها الزاوية . فاستحسن رأيه وقبل اقتراحه وقال سأفعل بحول الله وقوته، وهنا وقع السؤال منه لسيدي الحسن البعقيلي للتعرف عليه فلما تعرف إليه عظمه و أجله ألفا هاشم و أقبل عليه إقبالا كليا و صار يتذاكر معه  
وفي بداية المذاكرة قال له سيدي الحسن البعقيلي ؛ أنا لا أذاكرك في العلم الظاهر فلقد أوتيت الحظ الوافر منه ، وتحفظ مائتي الف حديث ، ولكن أذاكرك في العلم الباطن ، ثم سأله سيدي الحسن ؛ أنت أخذت الطريقة التجانية أم هي التي أخذتك ؟ فاجاب ؛ أنا أخذتها، فسأله سيدي الحسن ؛ المحبوب يوخذ أو ياخذ ؟ فقال؛ المحبوب يوخذ ، فقال له سيدي الحسن ؛ أما قال شيخنا سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ؛ أنتم محبوبون مقبولون على أي حالة كنتم ، فقال ألفا هاشم وقد جلس على ركبتيه ؛ هي التي أخذتني هي التي أخذتني وصار يكرر الجملة فوق ركبته اليمنى كما يكرر التلميذ اللوحة ، 
فلما رأى العلماء زواره استغراقه مع سيدي الحسن و هو لا يلتفت إليهم سألوه ؛ ياسيدي من هذا الرجل الذي نراك اعتكفت عليه ، فالتفت إليهم وقال ؛ و الله إن هذا الرجل أرسله سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ليعلمكم دينكم كما أرسل الله جبريل ليعلم الصحابة دينهم 
ثم سأل ألفا هاشم سيدي الحسن قائلا ؛ طريقة سيدي أحمد التجاني ليست في القرآن ؟ فأجاب سيدي الحسن ؛ أعوذ بالله أن نعبد الله بما ليس في القرآن ، فقال له ألفا هاشم؛ وأين طريقة سيدي أحمد في القرآن ؟ فأجاب ؛ طريقة سيدي أحمد مذكورة في القرآن { اهدنا الصراط المستقيم }    فصار يكرر العبارة فوق ركبته اليمنى ، ثم قال له سيدي الحسن  طريقة سيدي أحمد التجاني مذكورة في القرآن أربعين مرة 
ثم قال له ؛ إنك ستبتلى بالوهابيين فإذا سألوك عن الطريقة التجانية فقل لهم ؛ الطريقة التجانية هي إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم   
وقد كانت للرجلين جلسات طويلة بعد هذا طيلة مدة إقامة سيدي الحسن البعقيلي بالمدينة المنورة   

مع العلامة الشريف سيدي أحمد مصباح بن محمد الانجري أبو العيش 

فإن بعض السادة التجانيين من مدينة طنجة طلبوا من سيدي الحسن البعقيلي أن يحل مشكلا استعصى عليهم وهو مشكل العلامة المقدم الشريف سيدي أحمد بن محمد مصباح أبو العيش الذي انقطع في بيته و اعتزل الناس و قاطع الزاوية ورفض أن يخرج أو أن يدرس العلم كما كان يفعل من قبل ، و هذا السيد من أكابر علماء عائلة أبو العيش ومن أكابر الطريقة التجانية بطنجة ، عمر كثيرا ، وكان أخذ العلم ببلده و بمدينة فــاس و تلقى بها الطريقة التجانية عن العلامة سيدي أحمد بناني كلا و تلقى العلم عن علماء القرويين و علماء الزاوية التجانية الكبرى بفاس و على رأسهم سيدي الحاج محمد جنون رضي الله عنه مما جعل له مكانة مرموقة في طنجة سواء في الأوساط العلمية أو في الأوساط التجانية 
سأل سيدي الحسن البعقيلي عن مشكله فقالوا هو عالم كبير السن يرفض أن يخرج من بيته و أن يستقبل أحدا ويقول ؛ الناس اليوم كلهم صبيان و لم يبق و لو عالم، فقال سيدي الحسن هيا بنا إليه فذهبوا إليه ليلا و لما دقوا الباب استقبلهم فتعجبوا من ذلك و فرح بهم و أدخلهم إلى داره خصوصا لما رأى سيدي الحسن البعقيلي معهم و قال له؛ يا سيدي سمعت عنك كثيرا و أعجبت بك قبل أن أراك 
ولما أكلوا و أتاهم بالشاي سأله سيدي الحسن كعادته ليفاتحه بالمذاكرة ؛ يا سيدي اسمك أحمد ؟ قال نعم قال وما كنيتك قال مصباح فقال له سيدي الحسن اعرب لي { كمشكاة فيها مصباح } فأعربها على القواعد النحوية فلما سكت صار سيدي الحسن يفسر له الآية وتكلم على لفظة مصباح بما أوتيه من المعرفة بكلام عال جدا حتى تعجب العلامة مصباح وطرب لذلك التقرير ثم قال ؛ أنا أقول في نفسي أنه لم يبق عالم يتكلم عن هذه العلوم في هذا الزمان و التي لم أسمعها منذ عهد شيخي الحاج محمد جنون  
وطالت المذاكرة بينهما ولم يشعروا حتى أدركوا صلاة الفجر، بعد أداء الصلاة وذكر الوظيفة والأوراد جلسوا للمذاكرة ، فسأل سيدي الحسن العلامة أحمد مصباح ؛ مذا تقول في قول الإمام الغزالي ” ليس في الإمكان أبدع مما كان ” فأجابه العلامة مصباح ؛ أنا أول من يقول بتبديع الغزالي بهذا القول . فقال له سيدي الحسن ؛ يا مسكين لم تفهم كلامه على حقيقته ولم تعرف ما يشير إليه ؛مراده رضي الله عنه أنه ليس في الإمكان أشرف و لا أعلا و لا أجمل و لا أكمل من صورة الكون كله ، و لاصورة للكون كله إلا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكلما تراه في الكون فهو منه صلى الله عليه وسلم وهو أشرف مخلوق لله تعالى ثم صار يشرح له أفضليته صلى الله عليه وسلم و شرف مرتبته في الكون الذي خلقه الله من حقيقته صلى الله عليه وسلم
فطرب العلامة مصباح لذلك التقرير العالي النفيس فلم يشعر بنفسه إلا وهو يمد يده إلى سيدي الحسن ويقول له ؛ هات يدك فأنا أشهد أن لا إلاه إلا الله و أن سيدنا محمد رسول الله وأنا تائب لله تعالى 
فلما علم سيدي الحسن أنه صادق في توبته صار يعاتبه على عدم خروجه و قال له ؛ سيحاسبك الله سبحانه على علمك الذي حرمت منه الناس و كتمته عليهم فسأله العلامة مصباح ؛ يا سيدي ماذا أفعل الآن ؟ فقال له سيدي الحسن ؛ تخرج وتصلي بالناس كما كنت في المساجد و تدرس فيها كما كنت و تنفع الناس و تعمر الزاوية فامتثل و خرج من يومه ففرح الناس بعودته إليهم و إلى دروسه و نشاطه إلى أن التحق بربه 

قائمة بجميع كتبه

إن الآثار العلمية التي خلفها سيدي الحسن البعقيلي رضي الله عنه لتدل دلالة واضحة على مكانته العلمية السامية و علو كعبه في مختلف العلوم و المعارف  
فهو صاحب التآليف المفيدة الجامعة لأنواع الدراية والرواية ، ألف رضي الله عنه في الفقه و الحديث و التفسير و علم الكلام و النحو وأصول الفقه و الأنساب ثم التصوف الذي دارت حوله أغلب مؤلفاته 

و يجب الإشارة أن كتبه المطبوعة طبعت كلها في حياته أي في الخمسينيات من القرن الهجري الماضي و لم تطبع بعد ذلك حتى الآن  

ولقد خلف رضي الله عنه 37 كتابا جلها ما زالت مخطوطة و خلف أيضا مئات من الرسائل و الفتاوى و الإجازات و الإجابات 
و في ما يلي بسط لهذه المؤلفات ؛ 

التآليف المخطوطة

1 – إتحاف القراء المتحزبين المعانقين تلاوة كتاب الله المجددين 
وهو مؤلف حول حكم قراءة القرآن جماعة ، و فضائل تلاوة القرآن ، وقوانين الأداء و الروايات 
2 – إتحاف المسلمين بنفوذ قدرة رب العالمين 
حول صيام رمضان و شروطه و حكم اختلاف المطالع 
3 – إلجام الجهال بأسنة ألسنة الكمال 
 الذي خصصه للرد على أحد علماء الوقت وهو محمد بن عبد الله المؤقت الذي انبرى للإنذار بأن القيامة أزفت وحانت ساعتها 
4 – النفحة الربانية في الطريقة التجانية 
5 – إيضاح ما نبا من أنوار شموس الأصوليين و إفهام ما بناه الفقهاء على أسام المصطلحين  
ألفه في الأصول محاذيا به جمع الجوامع لتاج الدين السبكي و محللا كلامه و عباراته بأسلوب سهل قريب إلى الأفهام 
6 – جوهر الحقائق الفرد 
 وهو مؤلف في الأصول غريب في بابه يتكلم فيه حول انتفاء وجود الخلاف بين أفراد الأمة ومدارك اختلافاتهم 
7 – إيضاح ما ينبو من السند من ألفاظ الحديث المعتمد 
8 – مقاصد النظم النبوي و الشفاء بالكلام المصطفوي 
9 – بغية المعلمين و المتعلمين و نصيحة المعلمين 
 ألفه قبل وفاته بسنة 1367هـ ضمنه مجموعة من الآداب التي يجب على مؤدب الصبيان التحلي بها وكذا ما يجب على المتعلمين تعلمه من العلم النافع 
10 – بحر الأسرار 
 في التصوف و التوحيد الخاص 
11 – تبصرة الأرواح و الأسرار إلى العكوف على دوام مشاهدة الأنوار 
في التصوف 
12 – غنية الأحباب فيما وجب على الأصحاب 
 تأليف يضم أجوبة حول فقه الطريقة التجانية و غيره 
13 – لب لباب اصطلاح المحدثين و ثمرة أفئدة قلوب المصطلحين 
14 – إزهاق شبه العقول بماهية أسنة الأصول 
في الأصول 
15 – تـأليف في الطلاق 
في ستة أبواب 
16 – حاشية على الخريدة للشيخ النظيفي 
17 – رسالة النصائح بالتخلي عن الفضائح 
 تناول فيه التحذير من إبليس وأورد فيه عشرا من الفضائح الواجب اجتنابها . ألفه سنة 1367هـ 
18 – رسالة لنصرة الشيخ النظيفي و الدفاع عنه في قضية كتابه الطيب الفائح 
19 –  رسالة لجميع الأمة الإسلامية 
في شان مناكر التشبه المجلوبة بتقليد الأجانب في الزي و السلوك 
20 – رسالة مبشرة لسكان المغرب و منذرة لكل من ألحد و مال عن سنن رجال قطب المغرب 
21 – رسالة إلى الأكوان 
22 – رسالة الولدان 
في قواعد التصريف و الإعراب

 

كتبه المطبوعة

1 – إراءة عرائس شموس فلك الحقائق العرفانية بأصابع حق ماهية التربية بالطريقة التجانية 
 و هو أهم و أشهر كتبه على الإطلاق،و يقع هذا الكتاب الفريد في جزئين و هو كتاب متفرد في بابه جمع فيه مؤلفه رضي الله عنه ما افترق في غيره من كتب الطريق و أتى فيه بزبدة ما ألف في دقائق التصوف

2 – الشرب الصافي من الكرم الكافي على جواهر المعاني 
 و هو حاشية مفيدة نفيسة غريبة على ألفاظ كتاب جواهر المعاني، و يقع هذا الكتاب في جزئين ايضا

3 – مقاصد الأسرار و الخفى و الجواهر المرضية و الكاملة في نهاية الأخفى 
في التفسير و يقع في 6 أجزاء وقف فيه عند نهاية الحزب الخامس من القرآن الكريم و سلك فيه رضي الله عنه مسلكا عجيبا في التأليف و منهجا غريبا في تحليل أسرار آيات الله مما يدل على غزارة علمه و اطلاعه الواسع فقد جعل سورة الفاتحة وحدها جزأ مستقلا

4 – سوق الأسرار إلى حضرة الشاهد الستار 
 و هو كتاب في التوحيد الخاص و إفراد الوجهة إلى حضرة الألوهية و هو كتاب نفيس جدا و رائع

5 – الزلال الأصفى و اللباب المحض الأوفى 
 في الفقه محاذيا به الشيخ خليل،فبين فيه ما هو الحق و الراجح و المشهور و ما تجب به الفتوى و كل ذلك بأسلوب متين واضح

6 – رفع الخلاف و الغمة فيما يظن فيه اختلاف الأمة 
 في علم الأصول في جانبه المتعلق بالمقارنة بين المذاهب و التوفيق بين أئمتها.

7 – الإشفاق على مؤلف الاعتصام مما جناه و أفكه على أهل الإسلام 
 و هو كتاب جادل فيه الإمام الشاطبي في منهجه في التبديع الذي رأى فيه إفراطا و تحجيرا 
8 – إعلام الجهال بحقيقة الحقائق بأسنة أنصوص كلام سيد الخلائق ممزوج بالمولد النبوي في مدح أصل النبي المولوي 
9 – إيضاح الأدلة بأنوار الأئمة 
الأصول بين فيه عقيدة الأشعري و غيره 
10 – ترياق لمن فسد قلبه و مزاجه 
خصصه للرد على أحد أعيان العصر و علمائه و هو الفقيه محمد الحجوي 
11 – حاشية علي شرح السيوطي على ألفية ابن مالك 
12 – تبيين الأشراف أهل دائرة الوسائل و قبلة التوجه لكل سائل 
 في أنساب الأشراف و هو في جزأين 
13 – تحفة الأطفال 
في النحو 
14 – تحقيق الحقائق في الكشف عن مقالات أهل الطرائق 
في جزأين 
15 – رسالة الولدان من فارس أهل الميدان 
تشتمل على نصائح الشباب بالتزام زي السلف الصالح في اللباس و غيره 

خلفاؤه 

ولقد خلفه بعد وفاته ابنه العارف بالله سيدي محمد الحبيب البعقيلي رضي الله عنه ، فكان خير خلف لخير سلف ، فقام بأمور زوايا أبيه خير قيام حتى وافته المنية سنة 1995 م . فخلفه صنوه العارف الكبير سيدي محمد الكبير البعقيلي رضي الله عنه ، وهو الآن الخليفة العام للزوايا البعقيلية بالمغرب ، وهو يقوم بدور جبار لتربية المريدين ، والقيام بشؤون الزوايا ، كما يقوم رضي الله عنه بإلقاء دروس أسبوعية في شرح جواهر المعاني وكتاب الإراءة وغيرهما بارك الله لنا فيه   

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي