السلطان المجاهد الشيخ سيدي الحاج عمر الفوتي رضي الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي


خليفة الطريقة في افريقيا الشيخ المجاهد عمر الفوتي تال

التعريف بوالديه و نسبه وولادته

يختلف المؤرخون دائما في ضبط تواريخ الشخصيات البارزة في الأزمنة الغابرة ، و هذا المعطى التاريخي لم يشذ عنه الشيخ الحاج عمرالفوتي رضي الله عنه و لكن الثابت انه ولد في أواخر شعبان بين سنوات 1210 / 1795 أو 1797/1212 أو 1798/1213 و الله اعلم

ولد الشيخ ابو حفص عمر بن سعيد الفوتي الطوري الحلواري الكدوي  بفوتا طورو اقليم بشمال السنغال من ابوين منحدرين من جد واحد ، ووالده هو سعيد بن عثمان بن بن مختار سنب ووالدته هي السيدة آدما بنت الامام سري بن دنب بن سري ، فبيتهم بيت علم و معرفة وولاية ، و كان والده سعيد عالما تقيا ورعا زاهدا متوكلا على الله حافظا لكتاب الله مجاب الدعوة ، و من كمال ورعه انه اذا خرج للحرائث يذهب تاليا كتاب الله مطرقا رأسه ناظرا أمامه لئلا تقع عينه على حرائث غيره فيختم القرآن بوصوله للحرائث و كذلك في الرجوع .

و من كمال توكله أنه مكث ثلاثة أيام و لم يكن له ما يقتات به عياله فرزقه الله صاعا من الزرع فأرادت حليلته الكريمة السيدة آدما أن تصنعه طعاما لأولاده فإذا السائل واقف بباب الدار فأمر سيدنا سعيد ان تدفع الصاع جميعه للسائل فقالت يا سيدي إن الصبيان منذ ثلاثة أيام ما ذاقوا شيئا من الطعام فقال توكلي على الله وادفعي إليه فامتثلت للأمر و ذهب سيدنا سعيد إلى المسجد للصلاة فبلغ الإمام أحمد المصطفى أن سعيدا لم يكن له شيء من القوت منذ ثلاثة أيام فاستعاذ و استرجع و أمر خدامه أن يفتحوا مخزنة من مخازن قوته و يحملوا جميع ما فيها من الزرع إلى داره خفية ، ثم لما رجع سيدنا سعيد إلى داره أخبرته سيدتنا آدما قائلة عوضك الله صاعك فقال لها ما علمت منك الكذب يوما قط و ربنا تبارك و تعالى لا يخلف الميعاد و قد قال في محكم كتابه { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له }

و قد تعلم العلم في قرية برسجخور على يدي الشيخ عالم كبير تخرج على يديه كثير من علماء فوت و غيرهم اسمه الشيخ دمبا (سراج) فال

و قد رأت سيدتنا آدما العجائب و الغرائب حين ولادة ابنها الولي الكامل و العارف الواصل عمر بن سعيد لأنها ولدته طاهرا نظيفا ما بها شيء من أثر النفاس قبيل الفجر ليلة الاربعاء أواخر شعبان و صلت فريضة الصبح ذلك اليوم كما عقده أحمد ابن الشيخ محمد الحافظ العلوي في “الدرع و المغفر” و كما حكاه العلامة ابن حبت الغلاوي الشنقيطي في كتابه الجامع لكرامات الشيخ

و من اغرب أحواله ما روي عن الثقات أنه رضي الله عنه لما ولد أواخر شعبان ثم هل رمضان لم يقبل أن يرضع ثدي أمه و لم يذق شيئا في نهار رمضان كله صونا لحرمة الشهر فلا غرو أن تقع مثل هذه الكرامات لآحاد الأولياء الكبار الذين ولدوا و معهم الولاية الوهبية دون الكسبية و قد وقعت مثل هذه الكرامة للسيد عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه  كما في “نور الأبصار في مناقب آل النبي المختار ”

و في روض الشمائل ما نصه رأيت في تأليف للحجوجي مقدم فاس الشريف الأمجد و العالم المحقق المبدي نسب أمير المؤمنين الشيخ المربي الهمام حامل لواء راية الإسلام و المسلمين سيدي الحاج عمر بن سعيد بن عثمان بن محمد بن فازمة بن محمد بن عبد الصمد بن أحمد ابن علي بن عبد الرزاق بن صالح بن محمد القرشي و ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل سيدنا عقبة بن عامر و ينتهي الى مرة بن كعب أحد أجداده صلى الله عليه و سلم

وفي “الدرع و المغفر” ما نصه عمر بن سعيد بن عثمان القرشي الفوتي لا نزاع عندهم في القرشية و إنما النزاع عندهم في العلوية


مكان ولادة الشيخ عمر الفوتي بحلوار

نشأته و تعلمه

و لما بلغ من العمر خمس سنوات أدخله والده المدرسة عند الشيخ المجود المحرر المدقق لكتاب الله الإمام قِرى حماد وهو من أهل حلوار و حفظ القرآن على يديه وهو ابن ثمان سنين و قد ظهرت الكرامات على يديه حين قراءته القرآن في حال صباه منها ما نقل عن السيد شك الضرير الغارق في محبة الشيخ رضي الله عنه و من أفراد الحافظين لأخباره رضي الله عنه قال انه منذ بلوغه ثلاث سنين يقرأ كل ليلة ألفا من سورة الإخلاص

و بعد ما حفظ القرآن من عند شيخه المذكور رجع إلى أخيه الكبير و شقيقه الفاهم أحمد و جود عنده القرآن حتى أجاز له فيه ثم سافر الى قرية تقال لها دربس و فيها العالم العلامة المتقن الورع الزاهد الشيخ بَسَمور الأمير بن عبد الله فتعلم منه اللغة و الفقه و النحو و غيرها من الفنون

و قد روي أنه رضي الله عنه ذهب الى المدرسة التي كانت في قرية سين فالل عند عالم يقال له أحمد حَلِمَ و تعلم منه العروض و الاخمرار لابن بونة و حملة المسومي واستمع من دروس مختصر الشيخ خليل و في مدة مكثه بسين فالل زار قرية هردلد و مكث فيها مدة كتب خلالها كتاب الفية السيوطي في النحو

ثم انه رضي الله عنه بعد ان تبحر في العلوم الشرعية من فرائضها و سننها و منطوقها و مفهومها و تضلع في غيرها من الفنون حتى صار بحرا زاخرا شرع في طلب علم الحقيقة و أهلها و مجاهدة النفس و أعوانها فرفض العلائق و العوائق و رماهما وراءه ظهريا فقدر الله تعالى له ملاقاة شيخه الكريم العالم العلامة الحبر الفهامة الورع الزاهد السيد عبد الكريم بن احمد الناقل الفوتجلي التنبوي فتلاقيا من ناحية بدور قادما من ارض شنقيط من عند شيخه المربي السيد مولود فال اليعقوبي متوجها الى أرضه فوتا جلو فأخذ عنه الطريقة التجانية و تهيأ للسفر معه إلى أرضه فسار معه إلى أن وصلا بلاده فمكث عنده خادما له و مدرسا للعلوم سنة كاملة و بضعة أشهر كما أورده في كتابه رماح حزب الرحيم في نحور حزب الرجيم .

حجه وملاقاته مع سيدي محمد الغالي و ما وقع له بمصر و بيت المقدس

لما حصلت بين الشيخ عمر رضي الله عنه و شيخه المحبة التامة و عقد له البيعة و تفرس فيه شيخه الصدق و لوامع الخير ألقى الله في قلوبهما محبة حج بيت الله الحرام وزيارة نبينا خير الأنام عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام كما قال في رماحه  ثم لما أراد الله تعالى ان يمن علي بمحض فضله و كرمه و رحمته الواسعة و ينظمني في سلك أهل الطريقة الواصلين إلى إمام أهلها الفائزين بنيل جميع أذكارها من الاسم الأعظم الكبير و الكنز المطلسم و الياقوتة الفريدة و المراتب الكائنة لها الظاهرة و الباطنة و أسرار الطريقة و خلواتها و ما ينبغي ذكره و إفشاؤه و ما لا ينبغي ألقى في قلبي و قلب سيدي عبد الكريم محبة حج بيت الله الحرام و زيارة خير الأنام نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و زيارة إخوانه من الأنبياء الكرام و زيارة أصحابه البررة الكرام المختارين على الدوام عليه و عليهم من الله تعالى أفضل الصلاة و أزكى التسليم و خرجنا من الوطن الى جهة المغرب لطلب الزاد و عرض له مرض فرجع الى الوطن فانتظرني ما قدر الله له ثم سافر الى أرض ماسنة بنية انتظاري ثم ردني الله سالما و خرجت على اثره لألحقه فما قدر الله بيننا اللقاء و لكن بلّغني إنسان في ارض ماسنة رسالته و قال لي إن الشيخ عبد الكريم قال لي قل للشيخ عمر بن سعيد اني أسلّم عليه و قل له منذ فارقته ما تجدد لي يوم إلا و محبته تزداد في قلبي ثم لما وصلنا أرض تواق آهير سمعت أن سيدي محمد الغالي في مكة المشرفة مجاورا و فرحت بذلك فرحا عظيما و سألت الله تعالى أن يرزقني ملاقاته فاستجاب الله لي دعائي بمحض فضله و جمعني معه في مكة المشرفة كما سيأتي

لما سار رضي الله عنه الى مصر قاصدا الحج دخل الخلوة كعادة أهل الله إذا أرادو أمرا مهما من الأمور الدينية أو الدنيوية فهتف له هاتف رباني في الخلوة قائلا له بأنك ستجد الزاد على يد محمد المغربي و لم تكن له معرفة به و لم يكن سمع به من قبل كما قاله العلامة الشيخ محمد بن حبت الغلاوي الشنقيطي في كتابه الجامع لكرامات الشيخ عمر رضي الله عنه : و لما وصلت مصر و أرادت ركوب النهر قيل لي لابد لكل من يريد ركوب النهر من أي بلد كان أن يذهب إلى وكيله فسألت عن وكيل المغاربة فقيل لي رجل يقال له محمد المغربي فعلمت أنه هو صاحبي الذي أخبرت به من قبل فذهبت إليه … فقال لي ما اسمك فقلت عمر فقال أمنصرف أم غير منصرف فقلت منصرف منكرا غير منصرف معرفا و هذه مسألة نحوية و سألني عن مسالة أخرى بيانية وهي { فإن مع اليسر يسرا إن مع اليسر يسرا } هل العسر الأول هو الثاني فأجبته أن النكرة إذا أعيدت نكرة فالثانية غير الأولى و إذا أعيدت معرفة أو المعرفة معرفة فالثانية هي عين الأولى ثم سألني عن سبب مجيئي فأخبرته أني أريد الحج الى بيت الله الحرام فأنزلني حينئذ …و قد أرسل الى فقهاء مصر(القاهرة) أن يأتوه جميعا فأتوه ثم أمرهم بسؤالي عما يريدونه من المسائل فجعل كل واحد منهم يسألني عما لا يسأله الآخر فمنهم من يسألني عن متشابه القرآن و منهم من يسألني عن غرائب الحديث و منهم من يسألني عن دقائق الفقه و النحو و المنطق و البيان و البديع و غير ذلك و أنا أجيب كل واحد منهم عما يسأل عنه حتى وقت الظهر فقال محمد المغربي كفاكم ثم قدم اليهم الطعام و الشراب و أنواع الفواكه فأكلوا و شربوا ما تشتهيه أنفسهم من ذلك ثم توظؤوا و صلوا فذهب كل واحد منهم إلى منزله ثم أرسل محمد المغربي بعد ذلك إلي فأتيته و كتب لي الإجازة للركوب في النهر و ضمن لي كل ما يلزمني

ثم ركب النهر مع الحجاج إلى جدة فأحرم رضي لله عنه من ميقات أهله وهو الجحفة قاصدا لمكة المكرمة و لما وصلها وصول يمن و بركة و حل فيها حلول خير و سعد أدى طواف قدومه و سعى بين الصفا و المروة و بعد إتمام سعيه التقى مع شيخه ذي المزايا العالية الشريف محمد الغالي في مقام إبراهيم بعد صلاة العصر و حين تراءيا فرح به شيخه محمد الغالي فرحا عظيما و أكرمه إكراما جسيما لِما تفرس فيه من الصدق و الإخلاص و حسن الطوية ثم دفع إليه نسخة من جواهر المعاني لينظر فيه فلما طالعها ازداد شوقه للشيخ التجاني رضي الله عنه و طريقته فألقى القياد الى الشريف محمد الغالي رضي الله عنهما عازما أن يتخذه شيخا و مربيا ، و يقتبس منه الأنوار ثم لما تم لهما الحج و العمرة معا و قد حصلت بينهما المحبة و الألفة و المعاهدة تهيآ للمدينة المنورة لزيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام فوصلا إليها في أول يوم من المحرم عام 1242 و زارا الروضة الشريفة مجاورين لها و مقتبسين منها الأنوار فجدد الإذن منه و سلم له نفسه و ماله و ألقى القياد إليه و بقي يخدمه قدر ثلاث سنين و طرح ما له من العلوم وراءه ظهريا و صار عنده كالميت بين يدي غاسله ليس له شغل يصرفه عن خدمة شيخه و يرضى كل ما فعل شيخه عليه كما في كتابه الرماح في الفصل الثامن و العشرين ما نصه :  … ثم لم أزل مع سيدي محمد الغالي رضي الله تعالى عنه في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة و أزكى السلام حتى سخر الله لي بمحض فضله شيخنا و سيدنا و وسيلتنا إلى ربنا أحمد بن محمد التجاني رضي الله عنه و أرضاه وعَنَا به و قال لسيدي محمد الغالي قد أعطيت الشيخ عمر بن سعيد جميع ما يحتاج اليه من هذه الطريقة من الأذكار و الأسرار فلم يكن ل كالا تبليغه فقط فحينئذ امتثل أمر الشيخ رضي الله عنه و أخذ بيدي بعد ما صلينا العشاء في المسجد النبوي حتى أوقفني بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم تجاه القبر الشريف و أوصل إلي ما أمره الشيخ و بلغ إلي ما حمله قدوتنا إبلاغه إلي بين يدي هذا النبي الكريم ليكون شاهدا له بأنه بلغ و كمل ما أمره به ولده صلى الله عليه و سلم وهو شيخنا التجاني رضي الله عنه و أرضاه و عنا به و جازاه عنا بأفضل ما جازى به شيخا عن تلاميذه و لهذا فإن شئت قلت إني أخذتها عن الشيخ التجاني بنفسه رضي الله تعالى عنه إلا أن الفضل للواسطة جازاه الله تعالى عنا خيرا

بعد ما مكث رضي الله عنه في المدينة المنورة تسعة أشهر رجع الى مكة المكرمة محرما للحج ثانيا و بعد ما تم حجه رجع الى مصر فأودع أهله هنالك ليزيل عنه العلائق و العوائق التي تشغله عن التربية ثم     جاوز إلى بيت المقدس ليزور ذلك البيت المعظم و ما احتوى عليه من قبور الأنبياء و الرسل و آثارهم عليهم السلام و قبور الصحابة رضوان الله عليهم و سار إليه مع أخيه الأبر علي بن سعيد إلى أن وصلا ذلك البيت و زارا الأماكن المحترمة كلها و مدة مكثهما فيه سبعة أشهر

و ذكر ابن حبت الغلاوي الشنقيطي في كتابه الجامع لكرامات الشيخ عمر رضي الله عنه أنه كانت لسلطان بيت المقدس بنت ليس له ولد غيرها أصابها جنون و قد أشرفت على الموت و قد شفاها الله على يد الشيخ عمر رضي الله عنه فشاع ذكره في بيت المقدس و أكرموه و بجلوه ، فاستنقص أهل بيت المقدس أن تكون هذه الكرامات للسوداني واجتمع علماؤهم و فقهاؤهم لاختبار علمه و تضلعه في الفنون و طلبوا منه ان يجتمع معهم و صاروا يسألونه عن كل فن من الفنون و يلقون عليه عويصات المسائل وهو يجيب عن كل سؤال من العلوم النقلية و العقلية فلما أعياهم أمره و آيسوا من إعجازه أذعنوا له وانصرفوا و قدموه للصلاة في يوم الجمعة

ثم تصدق الشيخ رضي الله عنه من المال الذي وهبه له السلطان على الفقراء و المساكين و حمل جميع ما بقي له قائلا هذا المال ليس لي بل للشيخ محمد الغالي و رجع الى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة و السلام و مكث في خدمة سيدي محمد الغالي و صار أمينه و حاجبه و مؤنسه كما جاء في الرماح في الفصل التاسع و العشرين و نصه

اعلم انه انه لما طال مكثي مع سيدي محمد الغالي و أوقع الله سبحانه و تعالى بمحض فضله محبتي في قلبه و أخذت مجامع قلبه و لبه واستوليت على قلبه و قالبه اتخذني صاحبا و رمى الناس عنه جانبا واصطفاني خادما و حاجبا و صرت له مؤنسا و طالبا و رميت عني كل ما كنت من فنون العلم حافظا و كاتبا وانسلخت عما كنت من المعارف و الحقائق جامعا و كاسبا لعلمي بأن ذلك يكون للمتروي و غيره جالبا و مع ذلك فلا أطلب منه شيئا من أسرار الطريقة إلا و زجرني حتى أكون من الطلب تائبا إلى الله إلى أن سخره الله لي و ساعدني على نيل ما كنت فيه راغبا و قال لي و نحن في المسجد النبوي وقت الضحى كنا نقدم الناس و نجعلهم مقدمين في إعطاء الورد و أما أنت فخليفة من خلفاء الشيخ لا من المقدمين

و بعد ذلك أخبرني رضي الله عنه أن الشيخ رضي الله عنه قال له أعطيت الشيخ عمر بن سعيد كل ما يحتاج إليه من هذه الطريقة من الأسرار و الأذكار فلم يكن لك إلا تبليغه فقط و كان بعد ذلك ينظر الي و نحن جلوس فيقول اشهد بالله أنك تحب الشيخ و يقول بالله الذي لا اله إلا هو أني لأقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم وقوفا طويلا و لا يخرج من فمي إلا الدعاء لك و رأيته رضي الله عنه بعد ما تفارقنا في واقعة و قلت له يا سيدي إنك قد قلت إني خليفة من خلفاء الشيخ لا من المقدمين قال لي رضي اله عنه نعم أنت خليفة

ثم بعد ذلك تهيأ هو و أخوه علي مع الشيخ محمد الغالي للحج من جديد فلما أتما المناسك أطلقه شيخه محمد الغالي في الطريق و أذن له في فعل جميع ما يفعله الخليفة و أملى و كتب له الإجازة بذلك

و في سنة 1245 للهجرة ودع شيخه محمد الغالي رضي الله عنه راجعا نحو القاهرة عاصمة مصر و توفي شيخه الشريف محمد الغالي رضي الله عنه بعده بمدة قليلة و دفن بجنب السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنهما كما في روض الشمائل

رجوعه إلى فوتا و بعض ما حصل له مع قبل بداية محاربته للوثنيين

لما وصل رضي الله عنه مصر وجد أهله على سلم و أنعم حال و مكث عندها نحو سبعة أشهر ثم ارتحل من مصر بعدما أفادهم من علومه الغزيرة ما شاء الله أن يفيد و سار مجدا إلى أن وصل إلى فزان و نزل   بقرية تجرة حيث توفي أخوه السيد الحاج علي فيها ومن ثم ارتحل تب و من ثم الى بلاد السودان الظالم   أهلها في ذلك الوقت الكثيرة المخاوف لشدة الكفر و الفساد إلى أن وصل أرض بُورنُو

فلما نزل هناك وجد أن سلطانها قد توفي وخلفه في الملك ابن أخته المسمى بعمر فلما رأى ما للشيخ من المناقب حسده و سعى في قتله غدرا كما اخبر به رضي الله عنه في الرماح

فارتحل منها قاصدا أرض حَوْصَ و نزل في قرية صُكتُ على الإمام العادل و الولي الفاضل سيدي محمد بِلُو ابن العارف بالله الشيخ عثمان بن محمد المعروف بابن فودى عام 1246 بقصر جا ، فرحب بالشيخ عمر وأكرمه و بجله و فرح بقدومه و أحسن له الضيافة و تلطف له و سهل له جميع الأمورو تعاونا على العلوم و إحياء السنة و الجهاد في سبيل الله  و لما تفرس الشيخ محمد بلو ما به من أنواع العرفان و تجليات الإله الرحمان قال له لابد أن تمكث عندنا إلى أن أموت فتواريني أو اتبعك مدة حياتي فقبل الشيخ المكث عندهم

و بقي الشيخ عمر رضي الله عنه ملازما حبيبه الشيخ محمد بلو و معاونا له في أمور الدين و الجهاد الذي لم يهيأ جيشا لمجاهدة المشركين إلا و كان الشيخ عمر من رؤسائه حتى جعله قائدا لعسكره لكونه يغلب و ينتصر في كل غزوة حضرها حتى فتح الله له الكثير من الأراضي و البلدان التي عجزوا عن فتحها منذ زمن والده لشدة كفرها و عناد أهلها فانتشر صيته رضي الله عنه في أقطار حوص و اقبل الناس عليه من كل جانب بالمبايعة و التعلم

و مكث الشيخ رضي الله عنه في حَوص إلى أن توفي أمير المؤمنين محمد بلو و كان ذلك عام  1235للهجرة حيث ارتحل منها إلى ماسنة ثم إلى سغ سيكر حيث كان عليها ملك كافر جبار أراد قتله  و   منها إلى كنكبا  حيث تلاقى مع مريده الصادق ملك ارض كَنكَن الفاهم محمودا  ليعود في نهاية المطاف

إلى ارض فوتا حيث مكث فيها قبل القتال اثنا عشرة سنة جاءه خلالها رؤساء الأقاليم و اخذوا عنه الطريقة التجانية

و كان استقراره النهائي في محل دنقراوي عام 1265للهجرة بعد أن اتفق مع ملكها يِنبَ ساخ على أن يسكن في ذلك الموضع مقابل دفع جزية مقدارها صاع من الذهب كل عام حيث عمرها الشيخ رضي  الله عنه وصار وطنا إسلاميا تحفه الخيرات و البركات و أخذ الناس يأتون إليه أفواجا و فرادى من كل الآفاق و جعل رضي الله عنه يدرس العلوم العقلية و النقلية و ينشر الطريقة التجانية و يرشدهم الى الله و يدلهم عليه بحاله و مقاله  و مازال يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر حتى انتشر الدين و طريقة شيخنا أحمد التجاني رضي الله عنه و أنار قلوب العباد بنور الإيمان فلا ترى أحدا منهم الا و أمر الدين أحب إليه حتى إن الشيخ رضي الله عنه كان يسمي كل من يأتي لصحبته من البلاد الخارجية لأجل الدين مهاجرا و أهل فوت جلو الذين بايعوه يسميهم أنصارا لأنهم كانوا ينصرون كل من اتى اليهم و يعظمونه و يحترمونه غاية الاحترام و لا يفرقون بين نبيه و خامل و صغير و كبير و لم يزل رضي الله عنه يوصيهم فيما بينهم من الأخوة الدينية و الاحمدية التجانية و يخبرهم بأنها أولى بالحفظ من الأخوة الطينية حتى ترسخت المحبة و المودة في قلوبهم وانمحت الدنيا و هواها و زهرتها عن قلوبهم و طويت المسافة بينهم و بين الله حتى صاروا تاركين ما سواه وراء ظهورهم

و في العام الثالث عقد لهم درس تفسير القرآن و ذلك قبل ابتداء الجهاد و لم يزل يعض الناس كعادته و يلقنهم الأوراد التجانية و يتجهز بالآلات الحربية من بندقيات و سيوف و نبال و رماح

جهاده و استشهاده

 
الدولة التجانية في عهد سلطانها الحاج عمر الفوتي تال
1864 سنة


مسيرة الحاج عمر الفوتي تال و أماكن وقائعه

عدد غزوات الشيخ عمر الفوتي رضي الله عنه التي وقعت بحضرته اثنتان و ثلاثون غزوة و السرايا التي أرسلها رضي الله عنه خمسون سرية فالجملة اثنتان و ثمانون وقعة

و بداية محاربته كانت ضد الملك الكافر ينب ساخ الذي حين رأى ما أفاض الله على هذا الشيخ من الفضائل و الكرامات و ما حصل له رضي الله عنه في أرضه من كثرة الموال و المريدين الصادقين و كثرة الوافدين عليه من كل نواحي الأرض انقبض وازور و غضب غضبا شديدا على الشيخ و كاد يتميز من الغيظ فصار يرسل إلى الشيخ رضي الله عنه و يتوعده بالحرب و المقاتلة و الشيخ يقابل السيئة بالحسنة والصفح و الإحسان و السفاهة بالسماحة و المداراة في القول و الفعل ليزداد قوة و يتأهب رضي الله عنه لمحاربة عدو الله و عدو رسوله صلى الله عليه وسلم لإعلاء كلمة الله  و لما سمع الملك الكافر الفاجر أن للشيخ عمر رضي الله عنه بنادق و أسلحة أرسل إليه أربعة أشخاص و أمرهم أن يأخذوا الأسلحة من الشيخ قهرا و يأتوه بها لكن النتيجة كانت رفض الشيخ لهذا و دخول أحد رسله أو كلهم  في الإسلام فازداد غضب الملك و حنقه و دقت طبول الحرب و و هيؤوا الكتائب و جيشوا الجيش و جدوا في السير إلى دنقراوي لقتال الشيخ رضي الله عنه

و لما دخل الكفار القرية و سفكوا دماء المسلمين قال لهم رضي الله عنه يا عباد الله خذوا الكفار و قاتلوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم وانتصروا من بعد ما ظلمتم فشبت بينهم نار الوغى واختلفت الطعنات و الضربات بينهم إلى أن تولى الكفار مدبرين منهزمين فسلط الله عليهم النوم حتى ان الرجل الواحد من أصحاب الشيخ رضي الله عنهم يجد عشرة رجال من الكفار نائمين فيربط الجميع و يسوقهم الى الشيخ فقتلوا عددا عديدا و و هزمهم جيش الحاج أشد هزيمة و كان عدد جيشه يومئذ ثلاثمئة و ثلاثة عشر رجلا

و كانت بداية مصادمة الكفار و الفجار عام 1269/1268 للهجرة باختلاف المصادر و مكثه رضي الله عنه في الجهاد اثنا عشرة سنة

و جاء في كشف الحجاب للعلامة احمد سكيرج رضي الله عنه نقلا عن الشيخ عمر الفوتي رضي الله عنه

وقع علينا الكفار و لم يكن لي حينئذ إذن صريح في جهاد الكفار من جانب الحضرة الإلهية و إنما لي إذن من رسول الله صلى الله عليه و سلم و من الشيخ التجاني رضي الله عنه بالدعوة و الإرشاد إلى الله تعالى و أخبرت بعد ذلك إني مأذون في جهاد الكفار و منصور عليهم من طرق شتى بعضها من رسول الله صلى الله عليه و سلم و بعضها من الشيخ التجاني رضي الله عنه و لم أفعل حتى وقع علينا الكفار فأخذت الإذن من قوله تبارك و تعالى { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } الحج فأنجز الله تعالى وعده و هزم الأحزاب وحده و بعد ذلك أعلمني الله تعالى بعد العشاء ليلة الاثنين لعشر بقين من ذي القعدة الحرام عام 1268 بأني مأذون في الجهاد بهاتف رباني يقول لي أذنت في الجهاد في سبيل الله ثلاث مرات

و لم يكن بقية ملوك الكفار المحيطين به بأقل حرصا على إطفاء نور الإسلام خصوصا بعد أن رأوا الكثير من أتباعهم يعتنقون الإسلام و يلحقون بالشيخ عمر فاضطر للدفاع عن الإسلام و معتنقيه فنصره الله

و مازال يتغلب على ملك بعد ملك  و يفتح المدن و الأقاليم و ينشر الإسلام في تلك الربوع من ارض كرت و كنق و باغنة  إلى أن وصل سغُ سيكرو و كان سلطانها من جبابرة ملوك الكفار و أعظمها غنى و ثروة ، فاشتد القتال بينه و بين المجاهدين الفاتحين و ما كان يظن ذلك السلطان انه يغلب فلما بدأت كفة المسلمين ترجح استعان ذلك السلطان بأمير ماسنا الأمير أحمد بن أحمد بن لبّ مع إن العداوة كانت قائمة بينه و بين آبائه من قبل ، فتوسع سلطان سغُ في الأماني لأمير ماسنا و أرسل إليه من الهدايا الشيء العظيم فأمده الأمير أحمد بجيش من المسلمين اختلط مع جيش سغُ الكفار الوثنيين في محاربة جيش الحاج عمر

و أراد الأمير احمد ان يبرر قتال المسلمين بأن سلطان سغُ و أتباعه تحت بيعته ، مع أن الشريعة لا تبيح أن يكون الوثنيون إلا مخيرين بين أمرين الإسلام او الحرب و ليس أولائك القوم من أهل الكتاب و رغم ذلك فان الحاج عمر رضي الله عنه أمر ان لا تهاجم جيوشه جيوش الأمير أحمد و قال إن حكمهم حكم البغاة لا يبدءون بالقتال الا أن يكونوا هم البادئين ، و لكن الأمير احمد جمع جيوشا من المسلمين و من فلول المشركين و هاجم جيش الحاج عمر و طال القتال بينهم  فنصر الله الحاج عمر و استولى على البلاد و قُتِل الأمير أحمد و قد بين الحاج عمر لجيشه أن نساء الأعداء لا تسبى و أن مالهم لا يغنم و لا حق للمجاهدين فيه  لأنهم مسلمون و بين لهم حرمة ان ينهب منها شيء قليلا كان أم كثيرا  و امتد سلطانه حتى بلغ حدود ماسنا و قارب الحوسا و أقام فيهم الشريعة  واستمر الشيخ عمر يوطد دعائم الإسلام في هذه البلاد و يبني المدارس و المساجد و يرسل الرسل و يسافر إليهم و يعظهم بنفسه ، و كان يقرأ عليهم صحيح البخاري ليلا و يجاهد بهم نهارا و يقوم معه طائفة من الليل متهجدين تالين كتاب الله متوجهين إليه عز وجل

إستشهاده

لما تمكن الأمر للحاج عمر في ماسنا جمع قواده و أمراءه و جعل على رأسهم ابنه أحمد بعد أن عقد له البيعة و قال له ارجع إلى سغ لأنهم حديثوا عهد بالإسلام فرجع بأكثر الجيوش

ولما رأى بعض ذوي الأحقاد قلة ما بقي مع الشيخ من الجيوش عزموا على الغدر به و بدؤوا بإشعال نار الثورة بعد أن أمنت البلاد و أقيم فيها العدل و ارتفعت شعائر الدين فكاتبوا البكاي بشنقيط ووعدوه أن يأمروه عليهم فجاء بجيش عظيم و انظم إليه أتباع الأمير احمد و بقايا الوثنيين و حاصروا الشيخ عمر الذي أرسل ابن أخيه التجاني بن احمد ليأتي بالجيوش لنجدته ، و مكث الشيخ في الحصار مدة ثلاث أشهر ثم أمر أصحابه بالخروج من الحصار فشقوا الجيش المُحاصِر حتى وصلوا الجبل و قد اشتد بهم التعب و مع ذلك التحموا مع أعدائهم في المعركة و أصابت النار مخازن البارود فانفجرت حتى ظن القوم أن القيامة قامت و قتل من الفريقين جموع كثيرة و دخل الحاج عمر غارا هو و بعض بنيه و قد اشتد بهم التعب ينتظرون قدوم الإمدادات و قد دنا ميعاد قدومهم و لكن بعض الخونة ارشد الأعداء إلى موضعه فأشعلوا النار على فم الغار و سلطوا الدخان إلى داخله فتوفي الشيخ عمر رضي الله عنه مع بعض ننيه و خرج بعضهم و قاتل حتى استشهد رضي الله عنهم جميعا و كان ذلك عام 1280/1864 و له من العمر سبعون سنة ثم وصل التجاني بن احمد بجيشه و نشب بينهم القتال بعد ان علم ما حصل لعمه إلى أن أخضعهم و استتب له الأمر فقام بالخلافة و جاهد أعداء الدين و أقام الحدود و بذل المال و رحم الفقراء و الضعفاء و رتب الدروس و أكرم العلماء و أدام شهود الجماعة و حضور الوظيفة التجانية و قراءة صحيح البخاري  و لا تزال تلك الربوع الشاسعة ارض إسلام إلى يوم الدين هذا

 
الفا عمر احد قواد جيش الحاج عمر

مأخوذ بتصرف من
كتاب  الجواهر و الدرر في سيرة الشيخ الحاج عمر للشيخ محمد المنتقى احمد تال
سلطان الدولة التجانة للشيخ محمد الحافظ التجاني المصري

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي