حجة الإسلام العارف بالله سيدي الشيخ محمد الحافظ التجاني رضي الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

( 1315 هـ – 1398  هـ  )

بقلم أحمد محمد الحافظ ( ملخص)

 نسبه ومولده

هو رضي الله عنه المحدث الشيخ محمد الحافظ بن عبد اللطيف بن سالم
ولد  عام خمسة عشر وثلاثمائة  و ألف هجرية في ربيع الثاني في بلدة كفر قورص مركز أشمون بإقليم المنوفية من أعمال الديار المصرية. وهو شريف حسيني من جهة أبيه، يتصل نسبه بسيدنا الحسن  من جهة جدته لأبيه : فأنها من آل سيدي الشيخ سليم السباعي صاحب المسجد المعروف بالسبتية بمصر القاهرة، أما أمه فمن بنى رزاح فصلة سيد عمر بن الخطاب من بنى عدى بن كعب وأمها شريفة من آل الخطيب النازلين ببني

رزاح

نشأته

يقول الشيخ محمد عال بن فتى شيخ الإسلام بموريتانيا : لقد نشأ شيخنا الحافظ بين أبوين كريمين عفيفين حريصين على تربيته وتعليمه أحسن تربيه وتعليم، وقد ظهر عليه أثر ذلك ولله الحمد، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه

وهل ينبت الخطي إلا وشيجة         وتغرس إلا في منابتها النخل

كان يعيش  متواضعاً زاهداً لا يمتاز عن جلسائه ومريديه، يجلس ولا مجلس، يدخل على الأمراء بلباسه الذي يلبسه مع الفقراء لا يتصنع لأحد بالغاً ولا تأخذه في الله لومة لائم، لا يقر على مكر، ولا يتواضع لغنى لغناه، ولا يقبل لهدية إلا ممن علم صدقه ويكافئه عليها تأسياً بجده صلى الله عليه و سلم فإنه كان يقبل الهدية ويكافئ عليها ولما في  ردها من كسر خاطر مهديها، وهو لا يقابل أحداً بما يسوؤه، وهو من حسن الخلق والكرم بالمكانة آلتي لا تدرك. لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ما أنفقت شماله. متأدب بآداب السنة مجانب كل بدعة وضلالة، ولا يظن كل أصحابه انه أحب إليه من غيره ويبش في وجوههم كلهم. يرحم صغيرهم ويوقر كبيره ويعظمهم بالمواعظ آلتي تنشق لها الحجارة لأن كل قول يخرج عليه كسوة القلب الذي خرج منه فما خرج من القلب بصدق نية دخل القلب وما خرج من اللسان لا يجاوز الآذان أ هـ

ملبسه

حسن الهندام سليم الذوق جميل المنظر نظيف ظريف معتم بعمامة بيضاء كأنه تاج الوقار قد لفها فوق رأسه ودار بطرفها تحت الحنك وأرسلها وراءه وأرخى طرفها وسدلها بين كتفيه كالمغاربة وهو السنة

يقول الحاج عبد الله ناوى وسمعت منه أن عمامته تشبه عمامة ركاب الخيل وهى أنسب للجهاد أ هـ

روى أن الرسول صلى الله عليه و سلم عمم بيديه سيدنا عبد الرحمن بن عوف  وسدلها بين كتفيه حدثني الشيخ عبد الحفيظ عثمان : سألته  عن عمامة النبي صلى الله عليه و سلم   فقال لي عمامتنا أشبه بعمامة الشيخ . وقد وجدت في كتب السيرة ما يؤيد ذلك
ولقد شهد له العدو على غير قصد منه بكثرة الأعوان وهذه كرامة جلية واضحة لأن الله تعالى إذا أحب عبداً سخر له من ينشر ذكره ومآثره طوعاً أو كرها بقصد منه وبلا قصد فأي ضلال لأي بهتان بعد ما تبين الحق بأجلى بينا  وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا        وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم

ورغم إنكار المنكرين واعتراض المعترضين على الشيخ   فالشيخ لا يجزئ بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح وراثة محمدية وهداية ربانية وكل يجود بما عنده

اشتغاله بالعلم

حبب إليه الاشتغال بطلب العلم منذ نعومة أظفاره ، فقرأ القرآن الكريم واللغة والتفسير والفقه والحديث والأصول وغيرها على كبار علماء عصره، وصحب الكثيرين من العلماء وكان يلازم العالم حتى يحصل على كل ما معه من العلم ويدخل مكتبته فلا يخرج منها إلا بعد أن يقرأ جميع ما فيها مما لم يسبق له قراءته. وقد وهبه الله – فضلاً منه – ذاكرة عجيبة وحافظة واعية على شدة ذكاء فكان لا يسمع شيئاً ولا يقرأ شيئاً إلا حفظه ووعاه كأنما أورثه الله حال سيدنا أبى هريرة  :يقول سيدنا أبى هريرة  قلت يا رسول الله إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه. قال : أبسط رداءك. فبسطته، قال : فغرف بيديه ثم قال : ضمه. فضممته، فما نسيت شيئاً بعده رواه البخاري ومسلم والترمذي .

و أفاض الله عليه من العلم اللدني ما أفاضه على أكابر  أوليائه وهو فى سنة المبكرة ، وحدثنا الشيخ إبراهيم المرسى رحمه الله أن أحد السادة العلماء من أساتذة الأزهر الشريف وهو الشيخ محمد المصيلحي خليل إمام وخطيب مسجد الأمير الماس الحاجب بالحليمة الجديدة كان يجلسه على حجرة فى صحن الأزهر ويقول : من أراد أن يسأل عن شيء فليسأل هذا الفتى الصغير. فيفيض الله عليه من العلوم ما تقر به أعين السادة العلماء والطلاب مع اندهاشهم من سعة علمه مع صغر سنه أ هـ

وكان من حرصه فى البحث عن كتب السنة، أنه إذا رأى في أي مكتبة مخطوطاً من المخطوطات النادرة فإنه يحرص على اقتنائها إما بنقلها أو بتصويرها مهما كلفه ذلك من جهد ومال. ويحاول أن يطبع ما يستطيع طبعه منها

فقد زار في عام 1325 هـ مكتبة عكا بمسجد الجزار ووجد بها مجموعة أثرية عجيبة نادرة للحافظ ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى، كتبت في القرن السادس الهجري. فطلبها من صاحب الفضيلة مفتى عكا وقاضيها الشرعي شيخ الديار الفلسطينية وعالمها الأوحد الشيخ عبد الله الجزار لينقلها ويسعى في طبعها فأذن له ونقلها   واطلع عليها بعض السادة علماء السنة المحمدية وأعجبوا بها و أشاروا عليه أن يقدمها لدار الكتب بمصر ليحتفظوا لديهم بنسخة منها تؤخذ بالتصوير الشمسي، فقدمها إليهم على أن تكون له نسخة أخرى منها، فتم ذلك، وحاول أن يقوم بطبعها بعض أهل الطباعة، فحالت دون ذلك ظروف، فقام هو   بنشر كتاب من هذه المجموعة وهو كتاب “من عاض بعد الموت ”

كما أنه وجد كتاب “المطالب العالية فى زوائد المسانيد الثمانية” للحافظ بان حجر، مخطوطاً في مكتبة المدينة المنورة. فقام بنسخه واستغرق ذلك مدة أربع سنوات مدة وجوده في موسم الحج

وحصل من دار الكتب المصرية على نسخة مصورة من كتاب “الجامع الأزهر” للحافظ المناوي جمع فيه كل ما تيسر له
جمعه من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في وقته. كان شيخنا يتمنى أن يتيسر له طبع هذا الكتاب خدمة للسنة النبوية المطهرة
وحقق قسماً من الجامع الكبير للحافظ السيوطي الذي يطبعه الآن مجمع البحوث الإسلامية – وكتب له مقدمة في سنة الرسول صلى الله عليه و سلم  وتدوينها وترجمة للحافظ السيوطي والتعريف بالجامع الكبير. ورأى مجمع البحوث أن يطبع الجزء الأول من هذه المقدمة الخاص بسنة الرسول صلى الله عليه و سلم في كتاب مستقل وقام فعلاً مجمع البحوث بطبعة والجزء الخاص بترجمة الحافظ السيوطي نشرة في أول أجزاء الجامع الكبير

وكذلك حقق الأحاديث الضعيفة في سنن الترمذي – ولم يطبع

وكذلك عمل تحقيقات وتعليقات على كتاب مصباح الزجاجة في ضم الزيادة إلى سنن ابن ماجة للحافظ الأباصيري – ولم تطبع أ هـ

رياضته ومجاهدته

يقول الشيخ عبد الله نادى إمام وخطيب المسجد الكبير بالعدلية شرقية :كان في بدايته كثير التقشف والزهد والرياضة والمجاهدة. نهى النفس عن الهوى و جاهدها بكبح جماحها وكبدها مشاق الرياضة طريق السير في الوصول حتى قويت روحانيته وصارت نفسه مطمئنة راضية مرضية وهداه الحق سبيل الرشاد كما قال تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سلبنا وإن الله لمع المحسنين} ، وجدّ في الحزم والعزم والتشمير ولم يأل جهداً ولم يدخر وسعاً في جده واجتهاده وكان ولا يزال يذكر الله وذكر كثيراً وعمر أوقاته بالعابدة والطاعة وكثرة السهر في الذكر والأوراد والبحث والتنقيب في دقائق العلوم والمعارف وحبب إليه العالم والعبادة فيسر الله عليه بأنوار المعرفة وصفاء اليقين طريق الوصول فنزحت عنه الأغيار وحلت الأنوار والأسرار

فقد جاهد في الله النفس و الهوى والدنيا والشيطان فهداه الله سبيل الرشاد فكان من الذين وصلوا باجتهادهم إلى مقام الإحسان وهو أعلى مقامات الدين وهنالك الفتح المبين.
قد لزم الخوف والرجاء وسار بهم إلى الله شمر عن ساعد الجد وسل سيف العزم والحزم وركب جواد المجاهد بالصبر والرياضة والصوم وبذل في ذلك جهده دابة التقوى والزهد والورع والاستقامة والرياضة لا يتلكم فيما لا يعنيه. انكب على مطالعة العلم لاسيما التصوف ودرس أفتى وأنقطع إلى الله انقطاعاً كلياً حتى لم يبق في قلبه سعه لغيره ولا يسمح في مجلسه لأحد بالخوض في الأعراض أو ينم أو يغتاب أو يتفوه بما لا يعنى، وراحته سهره وقيامه الليل فهو السباق في الخير وممن يستبقون الخيرات الذين سارعوا إلى مغفرة من ربهم ومن المجاهدين للنفس وهو الجهاد الأكبر كما قال صلى الله عليه وسلم “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ألا وهو جهاد النفس” ما معناه .. وهو ممن يسبحون الليل والنهار لا يفترون راقبوا مولاهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجون بالأسحار هم يستغفرون قال تعالى {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} وذلك بقطع العلائق والعوائق وخلع العادات وترك الأغيار ومن علو الهمة الإخلاص في الامتثال والخدمة والأدب، يأخذ بالأحوط تمسك بالكتاب والسنة وترسم خطى المحققين من سلف الأمة أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان وتبتل إليه تبتيلاً وصار على قدم الصدف والمجاهدة لم يتبع الهوى إنما صار في طريق لهدى. أ هـ

اشتغاله بالذكر

وكما حبب إليه الاشتغال بطلب العلم وتدريسه، كذلك إليه الاشتغال بالذكر والعبادة وسلوك طريق الصوفية  فكان من صغره كثير الذكر يقوم الليل ويصوم النهار ولا يفطر إلا على لقمة صغيرة من الخبز الجاف. وسلك عدة طرق كالطريقة الخلوتية وكانت طريقة أجداده والنقشبندية والشاذلية والبيومية. واشتغل بأذكار هذه الطرق حتى حصل على أعلى مقاماتها وأجيز من كبار مشايخها في إعطائها وتلقينها وهكذا بلغ من كثرة ذكره أنه كان يذكر على السرير مع والدته رحمها الله تعالى فكانت كلما تستيقظ تجده مشغولاً بالذكر وكانت تخاف عليه فتطلب منه أن يريح نفسه وينام قليلاً وربما اشتدت عليه في بعض المرات، فلم تشعر إلا وكأن النار قد اشتعلت في السرير وهو يذكر جالساً في وسط النار فقالت له: اذكر ما شئت و اسهر ما شئت لا أعارضك ولا أطلب منك شيئاً بعد الآن. وقد لبس الخشن من الثياب وتجرد من الدنيا وانقطع في الخلوات والصحراء للذكر والعبادة وظهرت عليه آثار الفتح في صغره

جلسات الفكر والمراقبة

وقد تولى  تربية الخلق في هذه الطريقة المحمدية  وربى فيها بخلوة وبغير خلوة وتتلمذ له كثير من السادة العلماء من المشرق والمغرب وأذنهم وأجازهم
ومرجع الشيخ في ذلك حديث النبي صلى الله عليه و سلم  أعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال صلى الله عليه وسلم  فكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة

وكان كثيراً من ما يجعل فى دروسه فى المساجد ليلاً جلسة مراقبة فيأمر بأن تطفأ أنوار المسجد وتغلق أبوابه وشبابيكه ويأمر الناس أن يجلسوا كهيئة جلوس التشهد فى الصلاة ويغموا أيعنهم ولا يشتغلوا بذكر ولا بغيره وإنما يراقبون الله عز وجل وانه سبحانه يسمعهم ويراهم : استحضر فى قلبك أن الله يسمعك ويراك وأنه سبحانه حاضر لديك ناظر إليك قادر عليك، وهكذا يستمر فى هذه الجلسة ربع ساعة أو أكثر ويقول لهم : إذا اشتعل الفكر بشيء آخر غير المراقبة فأطرد ذلك الخاطر وراقب الله فيسمع البكاء والنشيج من الحاضرين حتى إذا أتم الجلسة أمر بإضاءة الأنوار. وكان يأمر أحبابه وتلاميذه بهذه المراقبة دائماً في بيوتهم ليلاً وعلى انفراد ويقول : إن هذه الجلسات للمراقبة إذا أستمر عليها الإنسان فإنه يتعود أن تكون صلاته وأذكاره كلها بحضور قلب، وهذه بداية الفتح –  لاحرمنا الله من هذا الفضل

وقد حدثنى جدى الشيخ على الماحى قال : كنت أحد ثلاثة أدخلهم مولانا الشيخ محمد الحافظ الخلوة وكان الثانى الشيخ عبد العزيز الأباجير والثالث الحاج فريد مرسى عثمان وكلهم فتح عليهم ولله الحمد

شيوخه في العلم 

قرأ القرآن على الشيخ عبد الله حماده والشيخ سليمان البنا بروية حفص وقرأ بعضه على الشيخ خليل الجناينى عن الشيخ متولى شيخ القراء بمصر، وقرأ اللغة على الشيخ يوسف الكومي والشيخ محمد المهدى والشيخ إسماعيل الإسلامبولى، وصحب الشيخ عبد المنعم قاسم الفقيه المالكى و أخذ التفسير عن الشيخ يوسف الدجوى، وصحب الشيخ محمد ماضى الرخاوي وكان علامة الأصول فى الأزهر فى وقته، والشيخ السكندرى، ولازم الشيخ سلامة العزامي القضاعتي الشافعي إمام عصره فى سائر العلوم الدينية والفنون، وكفاه القراءة عن جميع تلاميذه مدة مصاحبته له

شيوخه في التربية

كان قبل تقيده بالطريقة التجانية أخذ عدة طرق وأجيز فيها كالخلوتية آلتي كانت طريقة أجداده والنقشبندية والشاذلية فكان ذلك سبباً فى دخوله فى الطريقة التجانية أخذها عام ثمان وثلاثين وثلاثمائة وألف هجرية الموافق 1919 ميلادية وكان سنه إذ ذاك 22 عاماً تقريباً
وقد أخذ الطريقة التجانية أولاً عن الشريف سيدى الشيخ أحمد السباعي البقاري من أولاد أبى السباع الكائنين بحوز مراكش، وهم شرفاء حسنيون، سكن مصر وتوفى  بالكتامية بجوار بير شمس من قرى مديرية المنوفية بمصر وهو أخذ عن سيدي الشيخ أحمد التجانى الشنقيطي عن سيدي الحاج الحسين الافراني عن سيدي العربي بن السائح بسنده، وكذلك أخذ عن الشيخ بدر سلامة مؤلف النفحة الفضلية والهداية المحمدية، وهو عن سيدى أحمد التجانى الشنقيطي، ومن أسانيده سيدي الشيخ السباعي والشيخ بدر، الشريف سيدي محمد بن أحمد الدرداني المتوفى بالمغرب الأقصى

وقد أخذ أيضاً عن الشيخ مدكور الطصفاوى عن سيدي البشير الزيتوني عن سيدي إبراهيم الرياحي عن الشيخ التجانى ، وقد أخذ مباشرة عالياً عن شيخ شيوخه السيد أحمد التجانى الشنقيطي المتقدم ذكره وصحبه وقرأ عليه كتابه الفتوحات الربانية و أجازه فيه بخط يده على نسخة منه، وكذلك على غيره من مؤلفاته، واختصه بصلاة الفاتح بنية الاسم الأعظم وكذلك أخذ عن سيدي عبدالمالك بن العلمي  العارف بالله والدال عليه بحاله ومقاله وكان سفيرا بين دار الشيخ وجميع الأحباب نائباً عنهم في الشروط والأسباب
وكانت خالته تحت مولانا البشير وكان آية من آيات الله في السر والبركة والكشف والتقوى والاستقامة، وكان يحب شيخنا الشيخ محمد الحافظ محبة خاصة، إذن له في كل ما عنده وكان لا يعطى إذناً ولا إجازة غالباً مادام في الديار المصرية إلا بواسطة شيخنا الحافظ ويقول “الأسد يغار على عرينه” وقال له ما قال الشيخ التجانى رضي الله عنه للحاج على حرازم براده رضي الله عنه: من كان يطلب منا شيئاً فيطلبه من فلان ما قاله قلناه ومن أذنه أذناه

وكذلك اخذ عن الشيخ العالم العلامة المحدث المقدم البركة الشيخ ألفا هاشم بن حمد بن سيعد الفوتى بن اخى صاحب الرماح توفى بالمدينة المنورة عام تسع وأربعين وثلاثمائة وألف عن سبع وستين سنة، وأذن كل منهم للآخر ما عنده وتبادلا الثياب والمسابح

وكذلك أخذ عن مولانا  صفوة قطب الأقطاب محمد الكبير بن سيدى البشير التجانى  واطلق له فى الإذن والتقديم الإطلاق العام، وفاز منه بالضمان فغار بعض الإخوان من ذلك فقال لهم سيدنا محمد الكبير : “والله مازدت على أن نفذت ما برز من الحضرة” أو كلاماً هذا معناه، وقال له وكتب : قد اتخذنا الخير الأمثل الشيخ محمد الحافظ التجانى حبيباً لنا فى الدارين و لا ينفصل عنا بذنب ولا ينقطع عنا بعمل

وقد أخذ ايضاً عن الشيخ السيد العارف بالله العالم العامل والشيخ الكامل القاضي سيدي احمد سكيرج ذي التآليف العديدة المفيدة، والتى بلغت مائة وأربعين مؤلفاً

وقد اخذ أيضاً من سلالة القطب المكتوم وختم الولاية المعلوم سيدى محمود بن سيدى البشير التجانى أخي سيدي محمد المتقدم ذكره، وكذلك أخذ عن سيدي محمد بن الغازي ألرباطي وسيدي محمد النظيفى السوسي المراكشي صاحب الخريدة والتأليف المفيدة الشاهدة على قدمه فى الطريقة، ومعرفته فيها توفى عام سبع وستين عن نحو مائة سنة إلا سنتين

وكذلك أخذ عن الشيخ الدرديري الخليفة واد دوليب عن والده عن سيدي عمر بن سعيد وعن الشيخ المولد فال  والسيد إبراهيم بن محمد المختار الشنقيطي التشيتي، وكذلك أخذ عن الحاج بلقاسم بوكابو الوهراني، وكذلك أخذ عن الشريف عبد المنعم محمد المدفون بأم سعدون عن سيدي محمد الغالي مباشرة، وكذلك أخذ عن الشيخ مبشر بن سيدي عمر بن سعيد الفوتي، وعن الشيخ إبراهيم الخزامي عن الشريف طاهر الحمادي عن السيد محمد بن المختار الشنقيطي عن السيد السقاف عن الشيخ التجانى رضي الله عنه

شيوخه في الحديث 

و أما شيوخه في الحديث فمذكورين في إجازته لرفيقة فى الدعوة إلى الله فضيلة الشيخ عبد المجيد خليل الشريف والذي أجازني بما أجازه به والدي الشيخ محمد الحافظ

أخذ موطأ الإمام مالك إمام دار الهجرة رضي الله عنه  عن إمام المحدثين العلامة محدث المغرب الأقصى الرحالة الشيخ محمد عبد الحي الكتاني بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
وله فيه طريق أخرى عن السيدة الصالحة آمة الله ابنة الحافظ الكبير الشيخ عبد الغنى الدهلوي عن أبيها بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم, ويروي صحيح البخاري عن العلامة محدث المغرب محمد عبد الحي المتقدم ذكره بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، ويروى كتب السنة والتفسير والفقه من طريق إمام دار الحديث بدمشق الشام شيخ المحدثين بالمشرق الشيخ بدر الدين الحسيني عن الشيخ إبراهيم السقا عن الشيخ الأمير الصغير ابن الشيخ الأمير الكبير عن شيوخه الذين حواهم ثبته المعروف ( ثبت الأمير )
ويروي السنة المحمدية وعلومها من فقه وتفسير وغير ذك عن شيخنا السيد محمد عبد الحي الكتاني وعن الشيخ محمد الصادق الرياحي التونسي حفيد شيخ الإسلام سيدي إبراهيم الرياحي عن العلامة الشيخ الطيب النيفر عن العلامة الشيخ الماحي الدارفوري المتوفى قرب المدينة المنورة وهو عن شيخنا علامة زمانه سيدي أحمد بن ماجه التجانى الشريف الحسيني  وهو عن الشيخ سيدي محمود الكردي وهو عن شيخ الإسلام الشيخ الحفني، ويروى عن الشيخ الحفني بسند آخر عن الشيخ بد الزهيري الخلوتي المتوفى بطنطا سنة 1363 عن خمسين ومائة سنة وستة أيام عن والده الشيخ بدر عن شيخ الإسلام عبد الله الشرقاوي عن الشيخ الحفني

ويروي كتب السنة وغيرها عن العلامة الشيخ ألفا هاشم والشيخ محمد عبد الباقى الأنصاري كلاهما عن الشيخ صالح الظاهري وثبته  وثبت الشيخ محمد عبد الباقي مطبوعان. ويروي عن المحدث الشيخ عبد الستار الصديقى الحنفي الهندي المتوفى بمكة المكرمة عنه مباشرة ويروى عنه وعن المحدث صالح الشيخ عبد اله الغازي الهندي المكي عن العلامة الشيح حسين بن السيد محمد الحسيني المكي، ويروى عن الشريف العلامة الواصل الكامل الشيخ محمد خفاجى الدمياطى والشريف السيد كمال الدين القاوقجى ثبت والده العلامة الإمام العارف السيد الشيخ أبى المحاسن القاوقجى وهو مطبوع أيضاً. أ هـ

شهادة الأمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود

كتب الشيخ محمد الحافظ التجانى مقدمة لكتاب جمع الجوامع  الذي يطبعه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الآن وقد أعجب الدكتور عبد الحليم محمود بهذه المقدمة ورأى طبعها في كتاب خاص وأسماه سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب له مقدمة يثنى فيها على الشيخ فيما يلي

والشيخ محمد الحافظ حينما يكتب فى الحديث إنما يكتبه بصفته عالماً بالحديث رواية ودراية من الطراز الأول وهو فى هذا المجال من الرجال المعدودين فى الشرق الإسلامى كله أ هـ. قلت وعندما انتقل الشيخ إلى الرفيق الأعلى نعاه على صفحات الجرائد قائلاً : انعى إلى العالم الإسلامي شيخ المحدثين فى عصره الشيخ محمد الحافظ التجاني رحمه الله واسعة وأسكنه فسيح جناته أ هـ. وما كنا نعرف هذا اللقب من قبل ولكن لا يعرف الرجال إلا الرجال

دروس وعظة

أما حلقات دروسه في زاويته أو في زياراته المتتابعة للأقاليم المختلفة بمصر وغيرها فكانت حلقات عامة يحضرها العلماء وغيرهم وكثيراً ما حاول بعض سادتنا العلماء أن يمتحنوه فيجتمع العدد الكبير منهم وكل واحد قد أعد سؤالا في المواضيع المختلفة من التوحيد أو الفقه أو التفسير أو الحديث أو غير ذلك من علوم الشريعة ثم عندما يبدأ الدرس بقوله  الذي رواه البخاري عن  ابن مسعود  : إن أحسن الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم   وشر الأمور محدثاتها. وفى رواية وكل محدثه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ثم يقول. نفتتح الدرس بالأسئلة فيبدأ أحدهم بسؤال ثم يسأل الشيخ رضي الله عنه هل من أسئلة أخرى فيذكر الثاني سؤاله وهكذا حتى يتم عددهم. ثم يبدأ الشيخ ويذكر السؤال الأول ويجيب عليه والثاني الثالث وهكذا حتى تتم الأسئلة والإجابة عليها ويقوم بعد ذلك هؤلاء السادة فيقبلون يده ويعظمونه ويتبركون به وقد تكررت مقل هذه الحالة كثيراً في بلاد شتى وكانت سبباً في ذيوع صيته وشهرته العلمية في سائر البلاد

وقد حرص إلى آخر حياته المباركة على تدريس العلم فقد شهدت زاويته المباركة حلقات دروسه تمتد إلى ما بعد منتصف الليل بكثير ثم يواصل هو السهر في القراءة والمطالعات والذكر ويصلى الفجر ولا ينام إلا بعد الشروق وكان وهو مريض فى المستشفى يأخذ الكتب معه ويقرأ عليه الإخوان ويقول إنني استشفى بالعلم

وكانت آخر حلقات دروسه بالزاوية طلبه كليات الطب وغيرها وقد طلبوا أن يقرؤوا عليه كتاباً من كتب الحديث ويختار هو الكتاب الذي يقرؤونه عليه فأشار عليهم موطأ الإمام مالك  فشرعوا يقرؤون عليه كل يوم جمعة لليلة السبت بعد العشاء وكان ذلك في الشهور الأخيرة من حياته المباركة فكان أحدهم يقرأ وهو  يشرح لهم ما يحتاج إلى شرح ويبين له أوجه الخلاف في المذاهب في بعض الأحكام ودليل كل مذهب من السنة. كما كان كل منهم يسأل ما بدا له وهو يجيبهم إجابات مقنعة بالأدلة وهو في غاية الجهد والمشقة ويستمر الدرس ثلاث ساعات أو أكثر وإذا طلبنا منهم التخفيف عن الشيخ وأنه يكفيهم ساعة واحدة كان الشيخ رحمه الله يجيبهم ولا يردهم ولم ينقطع الدرس إلا في الأسبوع الأخير الذي توفى فيه

وكان يرى إلزام الناس برأي أو مذهب معين فإن هذا لا يمكن تحقيقه، فقد اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتاوى وكانوا أحباباً واختلف التابعيون ومن تبعهم كذلك، وإنما الممكن عملياً أن تجتمع الأمة  الإسلامية على تحريم ما أجمعت المذاهب على تحريمه وترك الخلاف في الفروع كل على حسب رأيه واجتهاده فلا نكفر بعضنا بعضاً في الأمور الخلافية مادامت لا تصطدم مع أصول الدين وعقائده فلا نكفر أهل القبلة بذنب، وبهذا نستطيع أن نجمع كلمة الأمة الإسلامية، وأما تكفير المسلمين في غير العقائد فهذا لا يستفيد منه إلا أعداء الإسلام. لأن الحاكم المسلم إذا كفر المسلم مسلماً فإنه يستحل دمه وهكذا يقتل المسلمون بعضهم بعضاً باسم الإسلام، والإسلام من عملهم هذا بريء. وكل فرقة تقوم بتكفير المسلمين في غير العقائد إنما هي أثر من آثار الخوارج، وهم أول من كفر المسلمين  ليستحلوا بذلك دمهم. وقد حاول التقريب بين الشيعة وأهل السنة ولكنه لم يجد الاستعداد عند من اجتمع بهم من علماء الشيعة للاستجابة لذلك

يقول الشيخ محمد عال بن فتى الشيخ الإسلام بموريتانيا : وتراه  حلو الفكاهة لين الجانب. يمزح ولا يقول إلا الحق  يبين الحق للناس في قالب أدبي عادى لا ينكره إلا مكابر. وما كان برهانه في نفسه لا يحتاج فيه إلى استدلال فإذا وضحه شرحه حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل فإذا تكمن من قلوبهم سلموا وأذعنوا له، فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة، وهذا من مقتضى قول تعالى ادع سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إبقاء للخصم لئلا ينفر فيبطل المقصود من إقامة الحجة، ويقول  لو خاصمنا المنكرين وشاتمناهم لم نبلغ مقصودنا من إقامة الحجة عليهم، ومجاملة الخصم ولو كان مبطلا أنجع من مدابرته  لقوله تعال للكفار :  و إنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين

وقال عنه الشيخ محمد السيد التجانى من علاء محافظة الشرقية كتابة غاية الأماني في مناقب وكرامات أصحاب الشيخ سيدي أحمد التجانى  المطبوع سنة 1373 هـ

هو علامة الزمان الذي لا نظير له في الأقران خزانة الأسرار العرفانية وترجمان الطريقة التجانية. غواص بحار المعارف لاقتناء الطرائف وخائض لجج البحار الزاخرات لصيد جواهر الدرر الغاليات. شيخ الشيوخ في علمي المعقول والمنقول. من له القدم الراسخ في الفروع والأصول. سيدنا ومولانا وحبيبنا السيد محمد التجانى المصري . من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه  إمام فاضل، عالم جليل عالم كامل
له  اليد الطولي في فنون شتى سيما الحديث النبوي الشريف فإنه  قد حفظ الأحاديث المصطفوية من رواتها الثقات الأثبات. ومن مصادرها المتنوعة الجهات. فهو بحق (الحافظ) للسنة الكريمة بهجتها ونورها، وللشريعة الغراء أقوالها وأحكامها جعل  معظم أوقاته لا لعبادة الله عز وجل فحسب، بل للدعوة إليه والإرشاد لما ينفع العباد يوم العرض عليه. كثير الأسفار للجهات النائية من الأقطار لهذه الغاية السامية المقدار
لو رأيته  في حال إرشاده وإلقاء محاضراته وعظاته رأيت الهداية والتوفيق لكل السامعين والحاضرين

رحلاته بمحافظات مصر 

وقد رحل إلى كل محافظات مصر وطاف مركزها وقراها مراراً كثيرة، ونشر العلوم فيها بخطبة ودروسه واجتمع عليه العلماء والطلاب قرأ البخاري في مجالس عمله أكثر من أربعين مرة قراءة ودراسة
وكان وهو يلقى خطبة الجمعة أو يلقى عظة أو درساً كأنما هو الغيث المنهمر من عالم الغيب من العلم المكنون الذي يفيضه الله على قلوب أحبابه

علم لم يسبق أن قرأه أحد في كتاب أو سمعه من عالم فيأخذ بألباب مستمعيه وعقولهم وقلوبهم

وقد شغف بالعلم وحبب إليه الاشتغال بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدريسه فكان يقول أن من منن الحق تبارك وتعالى على أن علق قلبي بكتب السنة المطهرة والبحث عنها والتفتيش عليها خلال سياحاتي أ هـ

فقرأ الحديث ودرس علم الرواية وحال الرواة وحصل على إجازة الحديث من دار الحديث بدمشق ومن كبار علماء الحديث فى المشرق والمغرب

رحلاته إلى البلاد العربية

وكما رحل إلى كل المحافظات القطر المصري ومراكزها وقراها وخطب فيها وألقى الدروس والوعظ، رحل الحجاز ما يقرب من ثلاثين مرة أو أكثر. وكان غالباً آخر من يخرج من الحجاج من الحرمين وكانت أول رحلة له عام 1346 هجرية وكانت فى فصل الصيف وكان لا يقوى على تحمل الحر ويحتاج إلى الماء الكثير فى وضوئه وغسله، فكان من بركته أن يسر الله له الماء أينما حل

ورحل إلى فلسطين والشام وبيت المقدس مراراً, وإلى السودان ثماني مرات وطاف مديرياته ومراكزه وقراه وكانت إحدى رحلاته للسودان بعد أن حج عام 1379 هـ ومكث 3 شهور بالحجاز توجه بعدها للسودان  مباشرة زار فيها شرق السودان وشماله وكردفان والجنينة ونيالا وغرب السودان إلى الفاشر وبلاد النوبة وكان في عزمه في تلك الرحلة زيارة نيجيريا وقد وصلته موافقة حكومة نيجيريا على الزيارة ولكنه قرر تأجيل السفر بسبب مرضه فعاد إلى القاهرة بعد أن أمضى ثمانية أشهر في الحجاز والسودان

ورحل إلى المغرب وتونس أكثر من مرة، وأول مرة زار فيها المغرب كان سنة 1356 هـ و ألقى الوعظ والإرشاد أينما حل وشرح الأربعين النووية في رمضان في تلك الرحلة في زاوية الشيخ سيدي أحمد التجانى رضي الله عنه بفاس من غير مطالعة أو مراجعة من كتاب كما أخبر بذلك سيدي إدريس العراقي  علامة المغرب ومستشار الملك الحسن الثاني وإمامه في صلاة الجمعة بالمسجد العتيق

وآخر رحلاته في عام 1388 هـ – 1968م حيث حضر موسم الحج 1387 ثم واصل الرحلة إلى السودان ثم إلى دول غرب وشمال أفريقية زرا فيها إحدى عشر جولة وطاف بها واجتمع بعلمائها ومكث في هذه الرحلة إحدى عشر شهراً وعاد منها من تونس إلى لبنان والحجاز ثم السودان ثم عاد إلى مصر. وحج بعد ذلك عامي 1392 و 1393
وكان في عزمه القيام برحلة أخرى سنة 1394 يزور فيها المغرب واستعد لذلك ولكن ألم به المرض من ذلك الوقت إلى أن وافاه الأجل رضي الله عنه ولقى ربه تبارك وتعالى

واجتمع في هذه الرحلات سواء فى الحجاز أو غيره بعلماء العالم الإسلامي الذى سمعوا به وسعوا إلى ملاقاته، وانتفع به من شاء الله تعالى من المسلمين وقد انتشرت إجازته فى الحديث الشريف وفى الطريق فى سائر البلاد

وكان من عادته أن يعود من رحلاته بالحقائب ملأى بالكتب النادرة التي يجدها في البلاد التي يزورها وفى الحجاز حتى أسس مكتبته التي تعد من أكبر المكتبات الخاصة في المشرق

وتوثقت الصلة بينه وبين علماء المسلمين من سائر الأقطار لكثرة اجتماعه بهم في مواسم الحج – فكان منزله بمكة أو المدينة المنورة كأنه زاويته بمصر تؤمه العلماء والطلاب ليلاً ونهاراً إما لمناقشة ما يهم المسلمين أو مناقشة بعض المشكلات الدينية أو للأخذ عنه والتلقي والسماع منه أو الاستفهام عن حديث أو تفسير أو حكم شرعي مع سهر بالليل متواصل مع زائريه وإكرام لهم جميعاً بما تيسر من المأكل أو المشرب فكان بينته كخلية النحل

ساح كثيراً فى الأقطار واطلع على معظم المكتبات كمكتبة الحرم المكي وكتبة الحرم المدني ومكتبة رواق مظهر بالمدينة المنورة أمام البقيع وقد مكثت مع فضيلته ليلة كاملة حتى الصباح يقرأ مخطوطات الجامع الأزهر

وعندما زار القدس تصفح كتب مكتبة عكا بمسجد الجزار ومكتبة دار الحديث بدمشق ومكتبة الشيخ الكتاني بالمغرب ومكتبة القرويين بفاس وغيرها .. عدا مكتبات مصر. وقد يمكث الأيام والليالي المتوالية في هذه المكتبات يطلع على ما لم يسبق له الإطلاع عليه وقد طوى الله له الزمن فيقرأ في الزمن اليسير ما تحتاج قراءته إلى شهور وقد يطلع على كتاب بأكمله في وقت لا تظن أبداً انه قرأ نصفه أو ربعه فضلاً عنه كله فتسأله عن شئ فه فيجيبك ويبين لك موضعه من الكتاب وهو لا يمل القراءة أبداً وينسى نفسه وطعامه مادام يشتغل بالمطالعة ولا يتركها إلا لأداء الفرائض

من آثاره العلمية

كان  له أثره الظاهر في المجتمع سواء في وعظه وإرشاده في البلاد والقرى التي يزورها وهو لم يشغل في حياته أي منصب رسمي و لم يقبل ذلك، وكان جل اهتمامه نشره العلم في سائر الزوايا التي أنشأها بين المريدين والأحباب وعامة المسلمين مع الحرص على التمسك بالشرع فأسس بذلك مدرسه عالمية منهاجها التمسك بما أمر الله به من أداء الفرائض والبعد عن المحرمات ظاهراً وباطناً والتقرب إلى الله بالنوافل مع البعد عن الدعوى ومظاهر الرياء فأسس جيلاً كاملاً على أعلى درجة ممكنة من التمسك بالكتاب والسنة علماً وعملاً وحالاً وسلوكاً لا دعاوي ولا شعارات ولا مفاخرة. وحفظ على المسلمين عقيدتهم بعد أن انتشر المبشرون والملحدون وأعداء الإسلام وتنشطا في الدعوة لهدم الإسلام

كما أنه أرسى قواعد التصوف الحق – علم تهذيب الأخلاق – تزكية النفس – على قواعده الشرعية الأصلية آلتي هي ذروة التمسك بالكتاب والسنة والتي كان عليها السلف الصالح رضوان الله عليهم جميعاً ونفي كل ما خالف الشرع في ظاهره وباطنه. وقد وهبه الله من فضله ما شاء الله له من علم فياض وذوق وجداني رفيع وخلق محمدي، مع الزهد و التقوى والورع فكان مفخرة الإسلام والمسلمين، و أعاد إلى أذهاننا ما قرأناه عن أولئك الأئمة العظام وما تحلو به من المكارم مع أن ظننا أن ذلك الصنف لا يمكن أن يوجد في زماننا، قال صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أمر آخره رواه الترمذي عن أنس، ورواه عن عمار : أحمد والبزار والطبراني. وقال ابن حجر في الفتح: هو حديث حسن له طرق قد يرتقى بها إلى الصحة
وما من جماعة فى مصر قامت على الكتاب والسنة تدعو الناس إلى الخير إلا وكان له رحمه الله فيها يد، إما مباشرة أو بطريق غير مباشر

وقد حث تلاميذه على طلب العلم. وما من زاوية أنشأها فى بلاد القطر إلا أقام بها مكتبة ليطلع أبناؤه فنجد أحد تلاميذه الذين تقيدوا بعهده في الطريق، قد تقتحمه العين. ولكن إذا تكلم تجده فقيهاً فى دينه عالماً بفرائض عباداته
ومن كان منهم أمياً طلب إليه تعلم القراءة والكتابة والجلوس مع العلماء ليفقه في أمور دينه وهكذا كان حريصاً كل الحرص على طلب العلم ونشره بين أتباعه ومريديه

ولقد كانت له رحمه الله ورضي الله عنه يد في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في بادئ الأمر فإنه كان يرى أن تكون هناك دعوة عامة للإسلام بصرف النظر عن الدعوات الخاصة وكانت للأستاذ المرحوم الشيخ حسن البنا رحمه الله صلة قوية بالشيخ من قبل أن يبدأ نشاط الجماعة، ثم قامت الجماعة وأنشئت وكان مولانا الشيخ بثاقب نظره وبصيرته النافذة يرى أن لا تشتغل الجماعة بالسياسة الحزبية بل تدعو للعمل بالكتاب والسنة بين جماهير  الأمة وتترك كلا على مذهبه السياسي الذي يعتنقه. فإذا اقتنعت جماهير الأمة برأي وانضمت إليها فإنها في الانتخابات سينتخبون الأقرب للعمل بمبادئهم من نفس حزبهم السياسي وبالتدريج سيكون في المجلس النيابي أعضاء من جميع الأحزاب إما من الجماعة أو من المقتنعين برأيها أو من مؤيديها. وهكذا سيأتي اليوم الذي يصبح فيه أغلبية النواب من سائر الِأحزاب من أنصار الجماعة، وسيأتي اليوم الذي يطب فيه البرلمان العمل بالكتاب والسنة، ويضع التشريعات اللازمة لذلك. أما إذا اشتغلت الجماعة بالسياسة، ودخلت الانتخابات فإن الأحزاب وغيرها ممن الجماعات والهيئات آلتي تحارب الإسلام علناً أو في الخفاء أو التي تخشى على نفوذها منه؛ ستتعاون ضدها وتحاربها وتعمل على إسقاط مرشحيها بكل الوسائل. أ هـ. قلت وهذا ما حدث لهذه الجماعة كما توقع الشيخ الحافظ  وكما قال رسول الله  صلى الله عليه و سلم  اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله

ولقد سأله أحد أبنائه الطلبة فى أواخر العشرينات عن المذاهب السياسية المعاصرة إذ ذاك فى مصر فكتب إليه شارحاً وجهة نظر كل حزب من الأحزاب التى كانت قائمة

وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن أحمد البنا ابن الشيخ الساعاتى خادم السنة النبوية الشريفة فى مقدمة الجزء 23 من كتاب الفتح الربانى لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل لشيباني يوضح مجهود مولانا الحافظ في هذه الموسوعة الكبرى لما له من باع طويل فى خدمة السنة النبوية والمشرفة ما نصه

ولما كان العمر غير مضمون، والتأجيل في واجب مقدمة السنة النبوية الشريفة غير محمود فقد رؤيا تكوين لجنة من أبناء الشيخ (عبد الرحمن ومحمد وجمال) مع بعض خدام الحديث وقد تطوع للعمل بهذه اللجنة العالمان الفاضلان الأستاذ حامد إبراهيم والأستاذ محمد الحسيني العقبي وشارك فيها فضيلة الإمام المحدث الشيخ محمد الحافظ التجانى، ومضت، على بركة الله فى عملها حتى أتمت بفضل الله الجزء الثالث والعشرين، وقد قام بتخريج أحاديثه الأستاذ محمد الحسينى العقبى وبالشرح أبناء الشيخ وبالمراجعة الأستاذ حامد إبراهيم وفضيلة الشيخ محمد الحافظ التجانى

وكان  قبل أن يملى تفسيره يطلب إحضار التفاسير كلها الموجودة عنده في مكتبة الزاوية التجانية وتقرأ عليه وبعد الانتهاء منها يبدأ في إملاء تفسيره فلا يوجد فيه مما قرء عليه من التفاسير الأخرى شئ، فيقول له تلميذه الخاص مولانا الحاج عبد المجيد الشريف  : فيم إذاً كل هذا التعب يا سيدنا الشيخ ؟ فيقول  “حتى لا نكتب شيئاً يتعارض مع ما ذهبوا إليه ”

ومجلة طريق الحق أصدرها منذ ثمانية وعشرين عاماً نشر فيها تفسيره وفيها من مقالاته وتحقيقاته في شتى فروع علوم الشريعة حديث وفقه وتوحيد ودفاع عن الصوفية أهل الحق أينما كانوا وفيها الفتاوى الكثيرة في الرد على ما كان يصل إليه من أسئلة من سائل الأقطار

وكما كان له برنامج “الدين القيم” تذيعه له الإذاعة. تكلم فيه عن عقيدة التوحيد – ثم أركان الإسلام

وكانت تصل إلى الإذاعة أيضاً أسئلة من البلاد الإسلامية المختلفة فيما يختص بالتصوف عامة أو بالطريق وكانت الإذاعة تحولها إليه للرد عليها. وتنشر الرد بإذاعة غرب أفريقيا أو شرق أفريقيا، وللطريقة التجانية هناك انتشار واسع

بعد وفاة الشيخ رضي الله عنه حولنا إصدار المجلة بشتى الطرق وبمعاونة الأستاذ سيد أبو دومه والأستاذ أسامه غيث بجريدة الأهرام وقد بذلا معنا جهدهما بصدق وإخلاص أملاً في الحصول على ترخيص لإعادة إصدار مجلة طريق الحق الإسلامية إلا أنها باءت بالفشل حيث رفض المجلس الأعلى للصحافة الموافقة على إعادة إصدارها نظراً لوفاة صاحب امتيازها وهو مولانا الشيخ الحافظ

ثم أبدى السادة أصحاب دار غريب للطباعة في عمل موسوعة إسلامية ميسرة إضافة للمكتبة الإسلامية فقمنا بجمع مقالات الشيخ  بمجلة طريق الحق وقسمناها ثمانية أقسام تحت مسمى الدين القيم وقضايا العصر وستصدر تباعاً بمشيئة الله

وله كذلك  رحمه الله  رحمة واسعة ترتيب تخريج أحاديث الإحياء – فإن الحافظ مرتضى الزبيدي رحمه الله شرح الإحياء وخرج أحاديثه وجمع مع تخريجه تخريج الحافظ العراقي لهذه الأحاديث أيضاً

وكذلك خرج أحاديث جواهر المعانى وطبع بمجلته – طريق  الحق – جزء منه ولم يكمل

وله ايضاً تحقيقات وتعليقات على بعض استدراكات الحافظ الذهبى على كتاب المستدرك للحاكم النيسابوري أبان فيها عن صحة الأسانيد التى ذهب الحافظ الذهبى إلى تضعيفها وقد رقم الأحاديث بالأجزاء الأربعة بمكتبته العامرة وقد وصلت 7513 (سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة عشر حديثاً). ولم يكمل

وكتاب الطبقات الكبرى لابن سعد – المترجم لهم في الطبقات مذكورة أسماؤهم حسب تتابع العصور فقام بترتيب الأسماء حسب حروف المعجم وأوضح أمام كل اسم رقم الصفحة والجزء من كتاب الطبقات المترجم له فيه بحيث يسهل على الباحث العثور على الاسم الذي يرغب في معرفة ترجمته

وله تحقيقات وتعليقات على فصوص الحكم لابن العربي – ولم يكمل وعمل فهرساً لكنز العمال يسهل معرفة مكان الحديث من هذا الكنز الثمين لم يطبع

– قدم لكتاب : الكفاية في علم الرواية – للخطيب البغدادي – في التعريف بالكتابة وبمؤلفه
– كما قدم لكتاب : عمدة القارى بشرح صحيح البخارى طبعة الحلبى
– وقدم لكتاب : الجامع الكبير للحافظ السيوطي في التعريف به وبجامعه، طبعها مجمع البحوث الإسلامية فى أول أجزاء الجامع الكبير

ومن مآثره الخالدة تفسير القرآن الكريم الذي نشره في مجلته رضي الله عنه -طريق الحق-
وقد أتم تفسير سورة الفاتحة وسورة البقرة ثم الأجزاء الستة الأخيرة من القرآن الكريم بدأها من آخر القرآن آخر الأجزاء الثلاثين إلى أول الجزء الخامس والعشرين وهو تفسير لا نظير له ولله الحمد يشهد له بمكانته العلمية وتحقيقه الراسخ، وما وهبه الله من فيضه الخاص الذي يفيضه على خاصته من خلقه

إن أكبر اثر له  وأجل خدمة خدمها لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ترتيبه مسند لإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه على حروف المعجم وسماه (ترتيب وتقريب مسند الإمام أحمد). بحيث أصبح الاستدلال على أي حديث في المسند وكان البحث عن أي حديث فيه عملاً شاقاً يقتضي أن تقرا أحاديث مسند الصحابي بأجمعها لتعثر على الحديث. فجزاه الله على خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم خير الجزاء – وكان في عزمه طبع هذا الكتاب ولكن وجد أن تكاليف طبعه باهظة فلم يتيسر له ذلك

وكذلك من أجل خدماته للسنة المطهرة ترتيب كتاب (ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث) للنابلسي. رتبه كذلك على حروف المعجم مما سهل الاستدلال على أي حديث فيه لفائدته العظمى لطلاب البحث عن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم . وقد كان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف يرغب في طبعه في عهد الدكتور عبد الحليم محمود أرسل فعلاً بعض الكتبة من المجلس الأعلى للشئون الإسلامية لنقل المخطوط ولما تقلد الدكتور عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر توقف الكتبة عن الحضور وإكمال العمل

ويقول الشيخ محمد عال بن فتى شيخ الإسلام بموريتانيا :  وهو  من حسن الخلق وتحمل أذى الناس بالمكان الذي لا يعمله إلا من مارسه، وقد هدى الله به كثيرين في جميع الأقطار حتى ترجمت رسائله في الإسلام باللغات الأجنبية وكانت سبباً في دخول الإسلام فيهم، كنت أسمع به قبل لقائنا لبعد صيته فأظنه من المتقدمين فإذا هو من أترابنا – معناه أكبر من سنه. رحل إلى السودان خمس مرات والحجاز ثماني مرات وفلسطين وسوريا وتونس والجزائر و مراكش من المغرب الأقصى ولقى بها الكثير من العلماء والصالحين أ هـ .

جهاده  ضد الاستعمال الإنجليزي 

ويعود الشيخ عبد المجيد الشريف بذاكرته إلى عام 1919م فيقول

رغم اشتغال الشيخ بالذكر والعبادة لم ينسه ذلك الجهاد في سبيل الله بالسلاح عندما يدعو الأمر إلى ذلك فقد كان  أحد القادة في ثورة سنة 1919 في مصر ضد الإنجليز وحاربهم بشدة وكان من قواد إحدى المعارك في أسيوط ضدهم وذكر لنا على الطبيعة في مكان المعركة، الخطأ الفني الذي وقعوا فيه ولولا هذا الخطأ لما بقى الإنجليز في أسيوط حيث فتح الإنجليز الكوبري وبهذا انقسم الثوار على جانبي النيل وقد قبض عليه الإنجليز وأودعوه أحد السجون . قال لي أدخلوني غرفة السجن وما كنت أشعر إذ ذاك – وكان حاله حال المغلوب على أمره من كثرة الأذكار حال من غلب عليه الوجد فلا يشعر بشيء، حال من غلبت الروحانية فيه على المادة – وكان المعروف عن هذا السجن إن الذي يدخله لا يخرج منه – فدخلت وأغلقوا بابا الغرفة علي وبقيت ماشياً في الغرفة إلى أن خرجت من الجانب الآخر أ هـ، وقد كان أمامهم ولم يروه كما أخبرني بذلك شيخنا

دفاعه عن التصوف الحق 

قام بالفرائض علماً وعملاً، وظاهراً وباطناً وتقرب إليه سبحانه بالنوافل حتى بلغ مقام المحبوبية عند الحق تبارك وتعالى. فكان الحق سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، وتولى الحق عز وجل شأنه، وأحاطه برعايته الخاصة، وأنساه نفسه، وشغله بذاته العلية فأصبح لا يسمع ولا يبصر ولا يحس إلا بربه عز وجل، ربط الله على قلبه حتى فنيت إرادته في إرادة مولاه – وغمره بالنور، فاستشف الحقيقة من وراء أستارها

وكان  المدافع عن الصوفية الحقة وعن رجال التصوف الإسلامي إعلام الإسلام وهو علماء التزكية علماء التربية. وأوضح أنهم حملوا إلينا علوم الشريعة كتاب الله تعالى وحديث رسول الله  والفقه والتفسير واللغة والتوحيد وغير ذلك فإنه ما من علم من هذه العلوم إلا وسنده فيه الكثير من رجال الصوفية – حتى أن الشيخ ابن تيميه نفسه سنده في العلوم الشرعية عن الشيخ عبد القادر الجيلاني – وهم الذين شاركوا أهل العلوم الظاهرة في علومهم، فمنهم أهل اللغة وأهل الفقه والمحدثين والمتكلمين والقراء والمفسرين وزادهم ربهم على الجميع الشهود الذي لم يدركه غيرهم فهم أعلم الناس بدين الله وهو صفوة الله من خلقه رضى الله عنهم
وقد بين شيخنا الحافظ  أن وحدة الوجود التي يقول بها هؤلاء القوم إنما يعنون بها إن الله وحده سبحانه وتعالى هو المنفرد بالوجود الحق، الوجود الذاتي، لم يكتسبه من غيره الغني عما سواه الذي يفتقر إليه كل ما عداه ، وإن كل ما سواه وجوده تابع لوجود الحق له ليس له وجود من ذاته حيث لم يوجد نفسه إنما أوجده الله، ولا وجود له بنفسه فإنه لا يقوم بذاته وإنما هو قائم بالله، ولا وجود له بنفسه فإنه لا يستطيع التصرف في ذاته وإنما هو لله يصرفه كيف يشاء ، فليس من ذاته ولا بذاته ولا لذاته، فليس بالوجود الحقيقي ولولا إيجاد الحق له لما كان له وجود فهو من الله بالله لله
كما أوضح أن وحدة الوجود الهندوسية لم يختلف المسلمون فى بطلانها سواء فى ذلك السلف أو الخلف من الفقهاء والمحدثين والصوفية والمتكلمين والقراء والمفسرين وأن من اعتقدها فهو كافر بالله خارج عن الإسلام

وبين أن الطرق الصوفية وإن تعددت، لا تعتبر فرقاً متعددة، وإن الذين أرادوا تطبيق قوله تعالى  إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شئ عليهم إنما أرادوا تطبيق ما نزل في الكافرين عليهم, وهذا من جهلهم وسوء فهمهم وافترائهم على الله بتنزيل كلامه الشريف على غير موضعه. فإن الخلاف بين فقهاء المذاهب الإسلامية أوسع بكثير من الخلاف بين أهل الطرق، إذ خلاف الفقهاء في الحلال والحرام والصحة والبطلان في أركان الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج وفى المعاملات، وهذا الخلاف بين المذاهب لم يضرهم في دينهم لأنهم ما قصدوا إلا متابعة الشارع  وبذلوا جهدهم وحكموا بما أراهم الله وأداهم إليه اجتهادهم فلم يهدموا أصلاً من أصول الدين ولا خرجوا عن قواعده . والخلاف بين أهل الطرق هو كلا خلاف، فعقيدتهم واحدة هي عين العقيدة آلتي عليها كافة المسلمين المتمسكين بالكتاب والسنة من آهل السنة والجماعة. وحلالهم واحد وحرامهم واحد.
فهم في ذلك حكمهم كحكم أهل المذاهب وينحصر خلافهم في الأولى، وخلاف الأولى أو الأقرب إلى السير. وأن الطرق الحقه هي مدارس أخلاقية لتهذيب النفوس وترويضها عملياً على الطاعة، وأنه إذا انتسب إلى الصوفية من ليس بصوفي ونشر الباطل بن الناس بهذه الدعوى فإن ذلك لا يضر الصوفية الحقه ولا يضر إلا صاحبه. ولابد أن ينكشف أمر هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم للصوفية يوماً ما
فكان  على عقدية أهل السنة والجماعة المتفق عليها وعمل على أساس هذه العقيدة وأفاض الله عليه من فضله فطهر ظاهره وباطنه، ووقف بين يدي الحق سبحانه منزهاً عن كل سوء، طاهر الظاهر والباطن لا يمد يده إلى ما لا يحبه المولى جل شأنه وغسل باطنه من الحرام و أكله وشربه وسماعه ومن مواجهته والنظر إليه والتفكير فيه فضلاً عن العزم عليه أو السعي له ومن إيذاء الغير حتى عاداته  لا تكون إلا بنية صالحة فيها رضاء الحق عز شأنه لا شهوات نفسه.اقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فيأكل ويشرب ويتزوج ويلبس ويتصدق بنيته . يأخذ ما يأخذ عن الله، وينفقه في سبيل الله، رزقه الله منتهى الإخلاص في العمل كل همه الإقتداء به صلى الله عليه وسلم في أخلاقه ومعاملاته لا في ظاهره فحسب، وكان كثيراً ما يقول: الله لا تجعلنا كالقبور المزوقة، وتخلق في نفسه بأخلاق الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين، وأفاض الله عليه من الأسرار والكمالات والمشاهد حتى وصل إلى الذروة

من كراماته رضي الله عنه 

أما الخوارق والكرامات العامة كشفاء مريض استعصى مرضه، أو البركة في الطعام القليل ليكفى العدد الكثير، أو إجابة الدعاء أو التوسعة في الرزق، لمن أراد الله له ذلك، فما من أحد من أتباعه إلا ووقعت معه حادثة أو عدة حوادث من ذلك

لنذكر هنا واقعة حصلت ببلبيس عام 1921 فقد ألقى محاضرة أذهلت الناس فتقدم بعدها إليه أحد الأشخاص وقال له :إني أرى في وجهك آثار الخصوصية وإن لدى ابنه أختي مريضة بمرض أعيى كبار الأطباء وعجزوا عن معالجتها ومن آثار هذا المرض أن أغمضت عيناها فلا تستطيع فتحها ولا أن يفتحها أحد وتقلصت يدها وهى على صدرها فلا تستطيع لها حراكاً وشلت حركتها وطال الأمد عليها. فذهب سيدنا ومن معه إلى منزلها وطلب رؤيتها ثم طلب سجادة للصلاة وضعت له في غرفة ليس أحد ووقف على السجادة والمرآة أمامه والكل ينظر من أعلى النافذة ثم رفع يديه ودعا بما شاء الله ثم مد يديه فإذا بها تفتح عينها وتبسط يديها وإذا بالمنزل يرتج بالتكبير والتهليل والزغاريد ويخرج سيدنا بالفتاة يمسح بجبته يدها من آثار اللحم المتآكل لطول المدة وعدم الحركة، و ألتزمه الناس بالتقبيل والدعاء والتبرك به فكان  يقول: لا تقطعوني عن الله فإن الله هو الفاعل المختار وهو الشافي لا غيره ولنتوجه جميعاً بشكره

وفى موسم الحج عام 1952م كان مولانا الشيخ الحافظ مسافراً إلى الحج بطريق البحر وكان مسافراً معه مقدم التجانيين بالعريش الشيخ رضوان محمد رحمه تعالى وغيره وكان في وداعهم بالسويس كثير من الإخوان من العريش وغيرها، فسأل أحد هؤلاء المودعين من أهل العريش سيدنا  وقال له: يا سيدي أريد أن يتوب الله على من ارتكاب الفاحشة فإني لا أقوى على التغلب على نفسي وكان صادقاً في طلب التوبة. فكتب له سيدنا  سورة من قصار السور من آخر جزء عم وقال احتفظ بهذه السورة معك دائماً فإنك إن شاء الله تعالى تحفظ من المعصية ببركة القرآن مادامت معك. ثم قامت الباخرة بالحجاج وعاد المودعون وسافر كل منهم إلى وجهته، فهذا السائل سولت له نفسه بعد ذلك ارتكاب الفاحشة وكان لا يزال بالسويس، فتوجه إلى أحد بيوت الدعارة وكانت لا تزال موجودة معترف بها رسمياً وذلك من آثار الاحتلال الإنجليزي للبلاد. فلما فتح باب المنزل، بهت ووقف في غاية الدهشة والذهول، فقد رأى كان سيدنا  واقف أمامه في المنزل يقول له: ما جاء بك يا فلان؟ فرجع ولم يتكلم، فنادته المرأة ، مالك؟ ما شأنك؟ لماذا رجعت؟ فلم يكلمها، وقال في نفسه: لعل الشيخ لم يسافر في الباخرة ولعله لا زال بالسويس، ثم سافر إلى بور سعيد وراودته نفسه هناك فتوجه لتلك البيوت وعندما فتح له الباب ليدخل ذهل ورأي المنظر السابق في السويس، وأغلق الشيخ الباب في وجهه فشج رأسه وسال دمه فخرج ونادته المرأة ما بالك؟ قال لا شيء ومشى لسبيله يمسح الدم عن وجهه، ثم سافر للعريش وبعد ذلك وعلى الكثبان الرملية القريبة من ساحل البحر بين العريش ورفح قابلته إعرابية وراودها عن نفسها، فما شعر إلا وكان الشيخ  بملابس الإحرام واقف أمامه على الكثيب. فقال تبت يا سيدي، وقد حدث هذا الشخص بهذا الذي حصل له وبما أكرمه الله به من الحفظ من المعصية ببركة القرآن وبركة الشيخ

وفى إحدى رحلات الشيخ بالمحافظات عام 1927م لإلقاء الخطب والدروس والوعظ ذهب معه أحد أحبابه وتلاميذه وهو الشيخ حافظ توفيق رحمه الله – وهو من كبار مقدمي الطريقة – ذهب معه إلى بور سعيد وطلب سيدنا من الشيخ حافظ توفيق أن يخطب الجمعة فى مسجد آخر غير المسجد الذي سيخطب هو فيه. أخبرنا مولانا الشيخ عبد الحميد الشريف قال: قال الشيخ حافظ رحمه الله وقفت على المنبر في المسجد التوفيقي وليس في رأسي أي كلام وما كنت مستعداً لهذا الموقف فشعرت كأن تياراً يمر من مؤخرة رأسي إلى الأمام فانطلقت في الخطابة وهذا التيار مستمر طول الخطبة وكأنه هو الكلام الذي أخطب به. ثم يقول: ثم فجأة وقف التيار فتوقفت عن الخطابة ثم عاد فعدت للخطابة حتى أكملتها وصليت بالناس
وبعد الصلاة التف الناس حولي للتبرك والدعاء وطلبوا منى إلقاء درس، فطلبت منهم أن ينتظروا قليلاً حتى يأتي شيخي يلقي عليكم الدرس فإنه صلى في المسجد العباسي وسيحضر الآن. ولما حضر شيخنا  جلس وألقى الدرس وأقبلت الناس عليه
ثم أخبرته بما حصل لي أثناء الخطبة، قال : لما طالت الخطبة وكان بعض المصلين يجلسون في الشمس خارج المسجد ولا يسمعون الخطبة فتكلم أحدهم وطلب اختصار الخطبة فتوقفت عن الخطابة لأصغى للمتكلم ثم عدت للخطابة. وكأن الحق سبحانه وتعالى أسمع الشيخ حافظ توفيق خطاب شيخه في المسجد الآخر ليخطب به أ هـ وتلك كرامة للشيخ وتلميذه

وفى سنة 1927 علم أن في دمياط إحدى الفرق آلتي تنشر الضلال بين المسلمين وتبلبل أفكارهم فأراد  أن ينزل إليها ولم يعلم بوجهته أحد وطلب أن لا يصحبه أحد في سفره وكان الشيخ حافظ توفيق رحمه الله حريص على أن يعرف وجهته كي يصحبه فركب معه القطار على أن ينزل بالزقازيق وكلنه طلب مد تذكرته لآخر خط السكة الحديد حتى يستطيع أن ينزل في أي محطة ينزل فيها الشيخ رحمه الله
فلما وصلا دمياط نزلا وكانا لا يعرفان فيها أحداً فتوجها للمسجد – وكانت عادته  أنه إذا نزل أي بلد أو قرية أن يبدأ بالمسجد سواء كان نهاراً أو ليلاً ولما عرفوا مسجد الفرقة التي يقصدها ذهبا إليه- ناظرهم سيدنا رضي الله عنه وطال النقاش وامتد أياماً وكانوا كثيراً عندما تقام عليهم الحجة في أمر ينكرون أنهم يقولون به فأراد سيدنا أن يضع حداً لهذه المراوغة فطلب أن تكون الإجابة كتابة – واجتمع عليه الخلق لسماع المناقشة ولم يكن أحد يستضيفهم فكانوا يخرجون بعد المناقشة لمكان مبيتهم في وقت متأخر ويصعب عليهم الحصول على الطعام. ثم قال سيدنا للشيخ حافظ: يا شيخ حافظ أرى أن تتركني بمفردي في هذه البلدة وتسافر أنت حتى لا أشعر أنى أعتمد على أحد بعد الله. فإذا بقيت بمفردي بين هذه الطائفة في هذه البلدة واعتمدت على الله تعالى، أرجو أن ينصرني الله عليهم، ثم غرف الشيخ غرفة من نقود بكلتا يديه، وأعطاها له فودعه الشيخ حافظ وعاد لبلده، واستمرت المناظرة بين الشيخ وهذه الطائفة إلى أن نصره الله عليهم وأقروا بخطئهم واستغفروا ربهم وكذلك من تبعهم من أهل دمياط، وبعد ذلك أقاموا له الحفلات الضخمة، وأقاموا له نزهة كبيرة في البحر، واشتد تنافسهم في دعوته لزيارتهم في منازلهم، وخطب لهم في عدة مساجد، وقضى الله إذ ذاك على تلك الطائفة

وذكر الشيخ محمد السيد التجاني في كتابة غاية الأماني ص 123 ما يلي
وأنى على ما شاهدته عن سيدي الحافظ التجانى ، أنه لا يجب سماع مدح نفسه ولا ذكر شئ من كراماته الحسية، إلا أنه بلغني من الثقات الآتي، ليعلم من لم يكن يعلم من هو شيخنا الحافظ قال: بينما كان الشيخ الحافظ في نافلة في حجة بمسجد الخيف فاجأته سيدة من شنقيط بقولها: أنت القطب لأنني سألت عنه شيخي فأجابني بأنك تجدينه أول من تلقين بمسجد الخيف، وأول من لقيني أنت، إذاً أنت القطب، فأجابها شيخنا الحافظ بقوله: (أما الحقيقة فهذا مقام ما وصلته ولا قاربته  ولكنى قبلت البشرى، عسى أن يؤهلنا الله لفضله)

وحسبنا أن نذكر من كراماته المعنوية أن كل من حضر مجلس وعظه وإرشاده لا يفارق مكانه حتى يكون قد امتلأ قلبه أمناً وإيماناً وتصديقاً وحبا وشغفاً لعمل الخير والرجوع إلى الله تعالى عاملاً على مرضاته والتقرب إليه
ويكفيه التفاف الخلق حوله من كل الأقطار والمحبة الكامنة له في كل القلوب وهداية الكثيرين من المعرضين على يديه الكريمتين الطاهرتين فضلاً على انتشار الطريقة التجانية في كل الجهات ما قرب منها وما بعد بنفحاته المسكية العطرة. فحسبه هذا، وحسبنا أن الله عز وجل جعل من حظنا وحظ الآلاف المؤلفة من أتباعه أن نظفر بمحبته وصحبته  أ هـ

من مؤلفاته

– كتاب الحق في الحق والخلق- في التوحيد فريد في نوعه
كتاب سبيل الكمال- رسالتان إلى ألمانيا في الإسلام- وترجمت بالألمانية ونشرت بألمانيا
كتاب رسول الإسلام  ورسالته الجامعة
كتاب رد أوهام القاديانية في قوله تعالى: (وخاتم النبيين)
عدة رسائل (6رسائل) في فنون مختلفة-في التوحيد- والتصوف- والرد على المنكرين على أهل الحق وتراجم لبعض الصالحين وعلاج علل المجتمع الإسلامي
كتاب أهل الحق العارفون بالله السادة الصوفية
كتاب سلطان الدولة التجانية بغرب أفريقيا الحاج عمر بن سعيد الفوتي وجهاده مع الكفار
كتاب سنة الرسول  – طبعة مجمع البحوث الإسلامية
كتاب رد أكاذيب المفترين على أهل اليقين
– كتاب علماء التزكية هم أعلم الناس بالكتاب والسنة- وهو عبارة عن ثلاث رسائل في الرد على المنكرين على أهل الحق- والصحبة الروحية لرسول الله
رؤية النبي صلى الله عليه و سلم  في اليقظة
كتاب الإنصاف في رد الإنكار على الطريق
التعليق على الإفادة الأحمدية
كتاب قصد السبيل في الطريقة التجانية
كتاب أصفي مناهل الصفاء في مشرب خاتم الأولياء
كتاب فصل المقال فيما يرفع الإذن في الحال
كتاب شروط الطريقة التجانية
كتاب مجموع الأوراد في الطريقة التجانية
الإسراء يقظة بالروح والجسد
رسالة في فضل ليلة النصف من شعبان
رسالة في الحج والعمرة
التوفيق بين الطوائف الإسلامية المعاصرة في الأصول
معنى قوله  صلى الله عليه و سلم تفترق أمتي على ثلاث سبعين فرقه
الحد الأوسط بين من أفرط ومن فرط

مناظراته مع العلماء والمستشرقين وأهل الكتاب

وكان المبشرون والمتآمرون على الإسلام قد نشطوا نشاطاً ملحوظاً في أيام الاحتلال الإنجليزي للبلاد وخصوصاً في أوائل القرن التاسع عشر لذلك قرأ كتب أغلب الديانات وناقش أصحابها في عقر دارهم، وأقام عليهم الحجة. كما ناقش المبشرين وغيرهم وكان السبب المباشر في مغادرة كبير المبشرين الأمريكان المدعو الدكتور/ زويمر للقطر المصري عندما جاء مصر زائراً في سنة 1930 وخطب في الأزهر الشريف وفى بعض البلاد فتصدى له الشيخ رحمه الله ورضي الله عنه في احتفال كبير أقيم لهذا المبشر ببلبيس بمحافظة الشرقية أقامته له الكنيسة و حضره مدير الإقليم وكبار الموظفين وكبار رجال الدين المسيحي ودعي سيدنا لحضوره فاشترط أن يكون له حق الرد عليه. وحضر زويمر وألقى كلمته في المسيحية والدعوة إليها وكان بيده الإنجيل يلوح به ويقول هذا هو الكتاب المقدس فنهض الشيخ  للرد عليه- فقال له ما معناه:
إن كتابنا القرآن الكريم وسنة نبينا صلى الله عليه و سلم  وأحكام شرعنا نقلها إلينا الأئمة الثقات بأسانيد متصلة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ليس بسند واحد متصل وإنما بأسانيد متعددة وبعضها بلغ حد التواتر لا يرقي إليها الشك
وعلم الرواة وحالهم ودراسة أحوالهم علم انفرد به الإسلام وهو مفخرة من مفاخر الإسلام. أما التوراة والإنجيل- أي إنجيل- فليس هناك أي سند واحد متصل إلى من نزلت عليه سواء سيدنا موسى أو سيدنا عيسى عليهما السلام. وأوضح له تاريخ كل إنجيل منها: وبين له أن أول إنجيل معترف به بينه وبين سيدنا عيسى عليه السلام. كذا من السنين ولا سند له يتصل بسيدنا عيسي عليه السلام وبين واضع هذا التاريخ وبين سيدنا عيسى عليه السلام زمن كبير جداً فهذا التاريخ وقائعه غير ثابتة بالسند الصحيح المتصل إلى سيدنا عيسى، وأني أتحداك أن تذكر لنا سنداً واحداً مسلسلاً متصلاً إلى سيدنا عيس عليه السلام لأي إنجيل منها فلا يمكن أن يثبت علمياً أو تاريخياً أن هذا الإنجيل هو بنفسه الذي نزل على سيدنا عيسي عليه السلام ولم يدخله التغيير والتبديل- فلم يستطع زويمر أن يرد على ذلك. ثم قال له سيدنا

“These books are built upon darkness”

 أي هذه الكتب بنيت على الظلام ولما لم يرد زويمر قال سيدنا بأعلى
صوته في الحفل الكبير: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله   فردد الحاضرون في هذا الاحتفال من المسلمين وكثير من المسيحيين الشهادة بصوت مرتفع ارتجت له أفئدة رجال الأمن – فقال له زويمر: أهذا هو كرم الضيافة؟ فرد عليه سيدنا : إن من إكرام الضيف أن نبين له وجه الحق، ولا نتركه في ظلام الجهل، فإن ذلك خيانة، أو كلاماً هذا معناه. فنزل زويمر من على منصته في حالة هياج الناس والنطق بالشهادتين، وغادر مكان الاحتفال من باب خلفي، واختفى عن الأنظار وغادر القطر المصري بعد ذلك. وكان  يتكلم باللغة العربية وناقشهم باللغتين الإنجليزية والفرنسية وبعد ذلك سألت راهبات الكنيسة الذين حضروا المناقشة عن الشيخ وأين ينزل فعلموا أنه ينزل في دار قريبة من الكنيسة ووعدوه برد زياراته وعندما زاروه سألوه هل تعلمت في فرنسا أو إنجلترا أو أمريكا لأنه ينطق لغتهم ويتكلم بها أحسن منهم وهم أهلها- فأجاب بالنفي .فسألوه من أين تعلمتها قال: علمني الله، قالوا: فهل لنا إلى ذلك سبيل؟ قال: نعم، أدخلكم الخلوة في ذكر وفكر فترة من الزمن تخرجون بعدها تتكلمون بكل لسان بشرط أن تعتنقوا الإسلام أولاً. قالوا: لا نستطيع اعتناق الإسلام دعنا فيما نحن فيه لنعيش. وشكروه على حسن محاضرته وعمق علمه

وعندما ذهب إلى القدس قابل في أحد معابد اليهود بالقدس كبار الأحبار والكهان وكان كاهنهم الأكبر يسمى عمران وتناقش معهم في الذبيح وبين لهم أنه إسماعيل عليه السلام فقال له الكاهن الأكبر: الذي عندنا في التوراة: إنه إسحاق، فقال له سيدنا  إن النص الذي في التوراة (ثم خذ ولدك وحيدك إسحق)
فأقره الكاهن على ذلك. فقال: إذا كان الذبيح إسحق فإن إسحق لم يكن وحيد أبيه بل كان قبله إسماعيل فأقر الكاهن بذلك فقال سيدنا: إذا لابد أن تكون كلمة  إسحق” زائدة أو تكون كلمة “وحيدك” هي الزائدة فأقر الكاهن. فقال له ننظر من الذي زاد إحدى هاتين الكلمتين ولمصلحة من؟ وللنظر من الذين عندهم التوراة؟ هي ليست عند العرب حتى يزيدوا فيها وإنما هي عند اليهود، فلابد أن تكون الزيادة بمعرفتهم، فزادوا كلمة إسحق ليثبتوا أنه الذبيح، ولكنهم ناقضوا أنفسهم فإن كلمة وحيدك هي الأصل وهو إسماعيل، ولم يكن إذ ذاك إسحق قد ولد. فلم يحر الكاهن جواباً، فقال أحد الكهنة إسحق هو وحيده في المحبة
فسأل سيدنا  كاهنهم الأكبر عمران وقال له: بالله عليك يا عمران هل كان إسحق وحيده في المحبة ولم يكن يحب إسماعيل؟ وقال: لا والله إنه كان يحب إسماعيل

وناقش أحد كبار النصارى في طهارة السيدة مريم العذراء وبراءتها وقال له سيدنا: هل تستطيع أن تثبت طهارتها من كتابكم فإن كتابكم لا يحمل هذا المعنى أبداً وذكر له جملة من الإنجيل يفهم منها ذلك- فسكت. فقال له سيدنا: إن الإسلام هو الذي برأ ساحتها وحيثما ارتفعت راية الإسلام حملت معها براءة السيدة العذراء وطهارتها فوجب عليكم معشر النصارى أن تخلدوا ذكرى سيدنا محمداً صلى الله عليه و سلم الذي كان سبباً في إظهار براءتها وطهارتها

وفى بورسعيد قابل بعض المطارنة و الرهبان بالكنيسة الإنجيلية وتناقش معهم في المسيحية وأخبرهم بتاريخ كل إنجيل من الأناجيل الموجودة وبين لهم أن بينها وبين سيدنا عيسى عليه السلام مدداً طويلة تفوق المائتي عام وليس هناك أي سند واحد متصل بسيدنا عيسى عليه السلام لأي إنجيل منها وتحداهم أن يجدوا له أي سند متصل فطلبوا منه إعطاءهم مهلة للبحث عن ذلك فأعطاهم مهلة سنة كاملة ولم يستطيعوا أن يجدوا أي سند متصل وهكذا بين لهم أن أناجيلهم هذه مؤلفات أشخاص كلاً باسمه وليس هو الكلام الذي صدر من فم سيدنا عيسى عليه السلام أو الذي أوحي إليه

وهكذا كل مناقشاته مع أهل الكتابين يقيم الحجة عليهم من نفس كتابهم ولقد كان يقيم المناظرات والمناقشات معه كثيراً

الوداع الأخير

كانت الأمة الإسلامية هم الشيخ وشغله الشاغل في حياته وهاهو في اللحظات الأخيرة يستعد لتسليم الأمانة وقد وفى لله وحفظ العهد إلى الرمق الأخير، وقد أخبرني الحاج عبد الحليم إبراهيم أن الشيخ في مرضه الأخير طلب منه ورقة وقلماً وقال اكتب (استودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم لنا ولكم وللمسلمين) ثم وقع عليها

وفاته رضي الله عنه

توفى منتصف ليلة الاثنين 29 جمادى الآخر 1398 هـ الموافق 5 يونيه سنة 1978م

رحمة الله رحمة واسعة وجعل مقره في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي