الاجتباء و السلوك

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

سئل سيدنا رضي الله عنه عن قوله:
 [الله يجتبي إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب] .الشورى.

فأجاب رضي الله عنه : 
معنى الاجتباء هو جذب الله تعالى للعبد إلى حضرة قدسه بحكم الفضل و الجود والعناية بلا تقدم سبب من العبد   .
 و المجتبى يسمى محبوبا و مصطفى و مرادا و معتنى به ، فهذه الأسماء للمجتبى و هذا الاجتباء سبق به الحكم الإلهي في الأزل بلا علة و لا سبب ، و لذا قيل كم من صديق في الغبا و كم من عدو  في العبا ، و الغبا هو الجهل و الضلال و الكفر و المخالفة ، فهذه الأمور كلها لا تضر لأن العناية كافلة و شاملة له.

  و في هذا يقول صلى الله عليه و سلم في هند بنت عتبة وكانت في أعظم العداوة لله و رسوله وأكلت كبد حمزة رضي الله عنه غيظا و حقدا قال  : ” لا يجتمع كبد حمزة و النار في جوفها أبدا ” ، أخبر صلى الله عليه و سلم أنها سعيدة بأرباح العناية الأزلية ، و لم يضرها ما فعلت ،  والعبا هي العبادة و التقرب إلى الله تعالى فكم فيها لله من عدو يعني في الغيب أنه يموت كافرا ، و كذلك ما وقع لعمير ابن وهب حين كان قاصدا قتل النبي صلى الله عليه و سلم و كان من صناديد قريش و من شياطينهم ،فلما رآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الباب و السيف في عنقه اغتاظ ودخل على النبي صلى الله عليه و سلم وقال له : “هذا عمير ابن وهب دعني أقتله فما جاء لخير و هو الذي حرز للقوم يوم بدر” قال صلى الله عليه و سلم:” دعه ” ثم أدخله عليه قال له  صلى الله عليه و سلم :” ما جاء بك ؟” قال له :” جئتكم لتحسنوا إليّ في هذا الأسير.” و كان ابنه أسيرا فقال صلى الله عليه و سلم:” بل جلست أنت وصفوان ابن أمية في الحجر و ليس معكما غيركما و ذكر له جميع ما تحدثا به إلى أن قال له :” وجئت لتقتلني ” فقال له عمير :” لو كان معنا ثالث لقلت أخبرك بذلك و أنا الآن أيقنت أن خبرك حق فأشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أنك رسول الله و حسن إسلامه ، ثم رجع إلى مكة و صار يدعو الناس إلى الإسلام حتى أسلم معه خلق كثير رضي الله عنه ،  ثم دام على إسلامه رضي الله عنه.
 فانظر هذا الاجتباء الذي اجتباه ربه فما أثر فيه عظم ذنبه و لا ما اقترفه من حوبه بل تمكن من صفاء صفوة  النور الإلهي ، و ألبس حلة القرب و صار عبدا خالصا لله .
  و قوله تعالى: ” من يشاء ” : أي بلا سبب و لا  علة بل بمحض الفضل و الجود.
 قوله تعالى: ” و يهدي إليه من ينيب ” أي من أناب إلى الله بصدق تقواه ، في معاملته لله تعالى بالصفاء ، هداه إليه حتى يوصله إلى حضرة قدسه. 
 و لم يذكر الله في حق الأنبياء عليهم الصلاة و السلام إلا الاجتباء ، قال سبحانه و تعالى في حق آدم عليه السلام : [ ثم اجتباه ربه فتاب عليه و هدى]  و في حق يونس عليه السلام  [فاجتباه ربه و جعله من الصالحين]  وفي حق الأنبياء حين ذكرهم في سورة الأنعام  [واجتبيناهم و هديناهم إلى صراط مستقيم]  ، فسلكوا الطريق إليه بذلك الاجتباء عليهم الصلاة و السلام .
 وما ما ذكر في الآية من الاجتباء و الإنابة في الطائفة الأولى هم أهل الإنابة و صاحبها يسمى مريدا و محبا و مخلصا ، وسائرا إلى الله تعالى ، قال سبحانه و تعالى في جزائهم أنه يهديهم إليه جزاء لتقدم تقواهم ، و الطائفة الثانية أخبر أنه اجتباهم بمحض المشيئة بلا تقدم سبب وصاحبها يسمى مصطفى ومجتبى و مخلصا بفتح اللام و مقربا و محبوبا و مرادا و معتنى به. 
و في هذا يقول بعض الصوفية في سيدنا موسى عليه السلام وعلى  نبينا صلى الله عليه و سلم:  أن سيدنا موسى لما أراد الارتحال إلى الله و العروج إليه  ، أمره بصيام ثلاثين يوما متصلة ليلا و نهارا فلما كملت ثلاثون ،أنكر خلوف فمه فتسوك بعود خرنوب طلبا لزوال ما أنكره من فمه فعاتبه الله على ذلك السواك  و أمره بزيادة عشر لتكمل أربعين ليلة ، أما سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ليلة المعراج  لم يأمره بعمل شيء إلا الملك  نزل عليه  و قال له:” قم “.فعرج به فكان سيدنا موسى عليه السلام مقامه مقام  المريد المحب ، فأمِر بتقدم السبب منه ، و سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم مقامه مقام المُراد المخلَص المجتبى ، فما أمره بتقدم شيء فاجتباه بلا سبب ، و قربه إليه بلا علة ، بل بمحض الفضل و الجود و الكرم .

لطيفة :  قال سيدنا رضي الله عنه  :” ما خلق الله لنفسه إلا سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ، والباقي من الوجود كله مخلوق لأجله صلى الله عليه و سلم و معلل بوجوده  صلى الله عليه و سلم ،  لولا أنه  خلق سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ما خلق شيئا من العوالم ، فبان لك أن  الوجود كله مخلوق لأجله صلى الله عليه و سلم . “

جواهر المعاني 

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي