التحذير من التشوف للأ سرار : التصرف بالدائرة الشاذلية

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

وكتب إلى بعض الفقهاء من أحبابه بفاس

” بعد البسملة والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم, من أفقر العبيد إلى مولاه أحمد بن محمد التجانى, عامله الله بفضله, إلى محبنا في الله تعالى فلان بن فلان, السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 أما بعد, فالذي سألت عنه من التصرف بالدائرة الشاذلية وأسمائها وخواصها (فالجواب عن ذلك) اعلم أن التمسك بما في كتب أهل الخواص من دائرة الشاذلية رضي الله عنه, وأسماء الله والحروف والجداول كله سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا, ما في جميعها إلا التعب والطمع الذي لا يوجد فيه قليل من الفائدة, ولا جدوى من الفائدة. إلا أن لتلك الأسرار تصاريف عالية وأفعالا عظيمة لكنها مشروطة بالوقوف على أمرين, لا ينال احد بدونهما شيئا: الأمر الأول هو الفتح للعبد في كمال المعرفة العيانية الباطنية, فصاحبها لا يتوقف على وجود شرط أو زوال مانع, متى ما أراد شيئا أوجده بتلك الأسباب. والأمر الثاني (هو أن) لتلك الأسرار أرواحا علوية طاهرة مطهرة قائمة بتصريف تلك الأسرار, دائمة التمادي في التصرف بأسرارها. وتلك الروحانية لها طرق مخصوصة يتوصل بتلك الطرق إلى تسخير روحانيتها حتى لا يتعرف على داعيها في شئ إلا أجابت في أسرع من طرفة العين, وهذه الطرق لا يعلمها إلا الأولياء. وقد أخذ العهد على الأولياء في ظهر الغيب أنهم لا يطلعون على هذه الأسرار, أو أي شئ منها, أحدا من الواقفين مع حظوظهم. ومن تعدى منهم في شئ واطلع عليه أحدا من أهل الحظوظ ابتلى ببلية عظيمة: إما بقتلة شنيعة, وإما أن يُسلط عليه وارد من قبل الحق يستأصل ماله وولده, وإما أن يبتليه الله بالفقر وعدم الصبر عليه, أو بالسلب, أو بالكفر, نسال الله السلامة والعافية من ذلك كله بجاه النبي وآله.

وما مثال ذلك إلا كحصن عظيم مملوء بخزائن الكنوز والأموال والتحف مما يقضى بتوفية جميع الأغراض, وعلى ذلك الحصن أسوار عظيمة من حديد في غاية ما يكون من الغلظة والتوثيق, ولا أبواب لتلك الأسوار ولا مفاتيح. ثم إن لتلك الأسوار وذلك الحصن أبوابا وطرقا مخبوءة تحت الأرض تأتى من الحصن على مسيرة ستة أيام أو سبعة تحت الأرض, كل من سلك طريقا من تلك الطرق أفضت به إلى باب الحصن الذي تحت الأرض ودخل الحصن وأخذ كل ما أراد ورجع من طريقه. فهو أبدا يدخل من تلك الطريق ويخرج منها. ووُضِعتْ أبواب تلك الطرق من خارج معلقة مدلسة عليها بحيث أن لا يوقف عليها إلا بالنقل والإخبار, ومن لم يخبر بتلك الأبواب لا يهتدي لتلك الطرق ولا يدخل إلى الحصن. فالرجل الأول المفتوح عليه بالمعرفة متى جاء إلى الحصن زالت عنه تلك الأسوار من غير تعمل منه ووصل إلى كنوزها من غير مشقة. وأصحاب الأمر الثاني هم العلماء بالطريق التي يهتدي بها إلى تسخير الروحانية والتعرف فيها والبلوغ بها إلى كل غرض, هم الذين في المثال الثاني المطلعون على الطرق المخبوءة تحت الأرض المدلسة أبوابها. والعامة الخارجون عن هذين الأمرين بمنزلة من يطوف حول الحصن يريد أن ينال مما في داخله من الكنوز من غير باب ولا مفتاح, فليس له من طوافه إلا التعب. نعم قد يقع في بعض الأحيان للعامي الذي لا حظ له في الأمرين الأولين إجابة في أمر من الأمور وقعت بنفحة إلهية اقتضت تلك منه سبحانه وتعالى أن كل من طلب منه في وقت تلك النفحة شيئا, سواء علم تلك النفحة أو جهلها أو علم وقتها أو جهله, أن يعطيه في ذلك الوقت سؤاله, سواء كان على جادة مستقيمة أو على غير صواب, سواء كان أهلا لذلك السؤال أم لا, لكن لا يطّرد له في كل ساعة أو في كل مطلب, لان تلك الإجابة اقتضتها تلك النفحة الإلهية البارزة من الحق سبحانه وتعالى, لا انه اقتضاها علمه بذلك السر وتلك الخاصية. فان أصحاب الأمرين الأولين تطّرد لهم الإجابة في كل مطلب وفى كل ساعة, وهذا الثالث لا تقع له الإجابة إلا إذا وافقت النفحة الإلهية بحكم الاتفاق. وفيما ذكرناه كفاية لمن فهم. فلا تتعبوا أنفسكم من الأسرار والخواص في شئ. والزم الأمر الذي قلناه لكم في الوصية, وهو أنفع. “

جواهر المعاني

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي