بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
حقيقة العافية
سئل سيدنا رضي الله عنه عن معنى العافية و حقيقتها فقال:
اعلم أن حقيقة العافية هي القيام مع الله تعالى في مطابقة مراده ، بكمال الرضا و التسليم و التفويض و الاستسلام ، و سقوط التدبير و الحيل و دوام التبري من جميع الملاحظات و المساكنات و المصاحبات و المرادات ، حتى لا يكون ثم غير الله دائما سرمدا ، و صحة ذلك و مصداقه أن لا يخطر غير الله على قلبه دائما فهذه هي العافية.
و إذا سألت العافية من الله ، فاسأله العافية من حيث يعلمها لك ، لا عافية فيما تريده و تختاره.
و قد ذكر مولانا عبد السلام مشيرا إلى هذا الذي ذكرناه في مرتبة العافية قال :” لا تختر من أمرك واختر أن لا تختار ، و فر من ذلك المختار و من اختيارك ، ومن فرارك ، و من كل شيء إلى الله ، و ربك يخلق ما يشاء و يختار.”
و أما قول من قال منكرا للمرسي رضي الله عنه : أبو بكر سأل الله العافية فمات مسموما ، و عمر سأل الله العافية فمات مقتولا ، و عثمان سأل الله العافية فمات مقتولا ، و علي سأل الله العافية فمات مقتولا ، فتلك مرتبة الفقهاء عند الله ، و الذي أنكرها غريق في بحر هواه فأنكر ما أنكر وهو لا يعلم قول الشاعر:
فكم من عائب قولا صحيحا و آفته من الفهم السقيم
فقتل هؤلاء السادات الكرام هو عين العافية لهم ، أترى سيدنا يحي عليه السلام خرج عن العافية حين قتل؟ ، حاشاه من ذلك عليه السلام .
إذا فهؤلاء السادات و غيرهم كالحسن و الحسين و طلحة و الزبير و غيرهم من السادات قد أكمل الله لهم العافية التامة الكاملة في ذلك القتل و شرفهم بذلك على جنسهم ، فلا يطيق حمل أعباء هذه العافية إلا أولائك الرجال ، و أما غيرهم فالعافية في حقهم ليست خارجة عن البلاء إلا بتأييد إلهي ، و العافية التي عندهم هي تواتر النعم الظاهرة المطابقة للأغراض و الشهوات ، و الأمن من البلايا و المحن.
من كتاب ” جواهر المعاني ” لسيدي علي حرازم برادة رضي الله عنه