بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
فك الإشكال في تعارض أحاديث يوم القيامة
قال سيدنا رضي الله :
“ظاهر ما في الأخبار يعطي الإشكال العظيم في أخبار يوم القيامة فإنه صلى الله عليه و سلم أخبر في حديث الشفاعة الكبرى حين يشفع في تعجيل الحساب لأهل الموقف يقول له سبحانه و تعالى بعد أن يشفعه: ” قدم أمّتك للحساب !” فتتقدم الأمّة المحمدية للحساب بما فيهم من بر و فاجر و ولي و فرعون ، تتقدم كبكبة واحدة و قد جمعتهم الملائكة فيقفون للحساب بين يدي الله تعالى ، فلا يلتفت للأمم حتى يفصلهم ، فيبعث أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار ، لكن يعارضه حديثا قوله صلى الله عليه و سلم : “يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال و معاذير و أما الثالثة فتطاير الصحف فآخذ بيمينه و آخذ بشماله.” ، و هذا صريح في اجتماع الأمم كلها على هذا المنوال، و قوله صلى الله عليه و سلم في حديث سؤال الرسل مع أممهم ، عن الرسالة و تبليغها فكل رسول تجحده أمته التي كفرت به ، و يقولون ما جاءنا بشيء و لا أخبرنا بشيء ولا أتانا برسالة بعد سؤال الله له عن الرسالة فيقول :” بلغت و أديت الأمانة.” فيقول:” من يشهد لك بهذا؟” فيقول :”أي رب محمد و أمته ، فيؤتى بهذه الأمة تشهد للرسل على أممهم بأنهم بلغوا الرسالة و أدوا الأمانة .” الحديث
و فك الإشكال في هذا أن مبدأ الحساب العرضات الثلاث يوبخ كل واحد على فعله سبحانه و تعالى ، فكل واحد يجادل عن نفسه و يعتذر عن قبيح فعله حيث يقول عليه الصلاة و السلام :” فأما عرضتان فجدال و معاذير” بقوله سبحانه و تعالى { يَوْمَ تأتِي كُلّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفسِهَا} النحل و أما العرضة الثالثة فتطاير الصحف، فكل يأخذ صحيفته بيمينه أو شماله ، فهذا للجماعة لا يختص بأمة و كلهم في موقف واحد في هذا العرض ، ثم ينقل الحال إلى سؤال الرسل و أممها عن الرسالة و الأمة المحمدية في هذا كله مختلطة بالأمم ، حتى تقع الشهادة منهم للرسل واحدا بعد واحد ثم تنفصل الأمة المحمدية إلى الحساب وحدها فيفصلهم عن آخرهم ، ثم ينقل الأمر سبحانه و تعالى إلى محاسبة الأمم أمة بعد أمة ، فإذا فصل الكفار من الموقف و لم يبق إلا المؤمنون و من كان يعبد الله تعالى من الكفار مثل اليهود ، تجلى عليهم بهذه الفتنة ثم يبعثهم إلى النار ، فإذا لم يبق إلا المؤمنون فصل بينهم في الحقوق التي بينهم ثم يبعث منهم أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار
و أما خبر الحوض في الحديث فإنما هو في مدة محاسبة الأمة المحمدية فيأتونه في غاية العطش و الكرب من شدة الظمئ ، يشرب منه من يشرب ويطرد عنه من يطرد ممن لم يغفر له من أهل النار و يشرب منه من المخلصين من غفر له أو أدركته شفاعة الشافعين ، فغفر له وهو قبل الصراط على التحقيق لتواتر الأخبار عليه .
و ما ذكر بعض العلماء من أنه بعد الصراط لا يصح لأن من جاوز الصراط لا يتأتى طرده عن الحوض لأن من جاوز الصراط فقد كملت نجاته.”