في قبول التوبة : تخلف الوعيد دون الوعد

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

قال سيدنا رضي الله عنه: الدليل على أن قبول التوبة قطعي قوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما } النساء. و قوله تعالى { إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما } الفرقان . و قوله تعالى { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } الشورى. إلى غير ذلك من الآيات الدالات على أن القبول قطعي لأنه وعد التائب بالقبول، ووعده لا يتخلف عند أهل الحق

فإن قيل على مذهب الجمهور أن القبول القطعي المأخوذ من الوعيد يمكن أن يكون في بعض الأفراد ، و لا يلزم منه العموم فالجواب إن هذه الآية المذكورة عامة في جنس التائب ، و لا دليل على خصوصها بفرد دون آخر ، ثم أن هذا وعد و ليس بوعيد ، و الكريم إذا وعد بأمر لابد من وفائه عند أهل الحق بخلاف ما إذا أوعد فإنه من الكرم أن يتركه كله ، و لا يلزم نقص بل من الكمال تخلف الوعيد دون الوعد  ، و الدليل من السنة قوله عليه الصلاة و السلام : “ إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب منه تاب الله عليه ” و في التعبير بصيغة الماضي إشارة إلى تحقيق الوقوع لأن تلك حقيقة الماضي

فإن قيل على مذهب الجمهور لو كان القبول قطعيا لزم أن لا يعصي من تاب  فالجواب أن ذلك لا يلزم بل اللازم هو أن يتوب من كل ذنب ( جديد ) و لا يكون ذلك نقضا لتوبته الأولى لقوله عليه الصلاة و السلام : “ ما أصر من استغفر و لو عاد في اليوم سبعين مرة” ، و قوله عليه الصلاة و السلام :” التائب من الذنب كمن لا ذنب له ” دليل على قبول توبته قطعا ، و إذا قدر الله عليه ذنبا رجع إلى التوبة و هكذا .
و في قوله عليه الصلاة و السلام :” لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم غيركم يذنبون فيستغفرون الله ” الحديث، إشارة إلى اعتناء الله تعالى بعبده التائب من ذنبه لذلك قال تعالى :” إن الله يحب التوابين ” البقرة . و لو لم يقبل الله تعالى توبتهم ما أحبهم.
و لا يلزم من قبول التوبة أن نقطع للتائب بالسعادة لأن ذلك أمر مغيب العاقبة ، و إنما نحن نتكلم على ما يظهر من نصوص الكتاب و السنة ، و أيضا فإن السعادة ليست متوقفة عل ترك المعاصي و لذلك قال صلى الله عليه و سلم :” لن يدخل أحدكم عمله الجنة قالوا و لا أنت يا رسول الله قال و لا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ” و هذا دليل على أن دخول الجنة إنما هو بمحض الفضل ، و النار بمحض العدل ، و إنما الأعمال علامات في الظاهر على ما سبق ن قد توافق أو تخالف الأمر لأن اللاحق لا يكون سببا في السابق كما قاله بعض المحققين .

مأخوذ من كتاب “جواهر المعاني”

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي