مواعظ من سيدنا رضي الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

 بعد البسملة والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه: 
” وصية لكل من أراد نصيحة نفسه ونصيحة ربه الجارية على حد قوله صلى الله عليه وسلم : ” الدين النصيحة ! ” قالوا : ” لمن يا رسول الله ؟ ” قال:” لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المؤمنين وخاصتهم .”. فأول ذلك تقوى الله الذي لا اله إلا هو, الواقعة في وصية علي لأولاده رضي الله عنهم وهو أنه قال: يا بنيّ أوصيكم بتقوى الله العظيم في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الرضا والغضب والعدل على الصديق والعدو والقصد في الغنى والفقر. ثم بعد ذلك الفزع إلى الله تعالى واللجأ إليه من ضغط كل لاحق من الأمور, وتعلق القلب به سبحانه وتعالى على قدر رتبة صاحبه, والحياء منه سبحانه وتعالى الجاري على حد قوله صلى الله عليه وسلم:استحيوا من الله حق الحياءقالوا : ” إنا نستحي والحمد لله ” , قال: ليس ذلك كذلك ولكن الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى وتحفظ البطن وما حوى ولتذكر الموت والبلى, ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا, فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء. وهذا الحياء الذي خاطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب العامة. أما الحياء في حق الصديقين فهو إطراق الروح من هيبة الجلال, كما يقول بعض العارفين:

              إشتاقه فإذا بــــدا              طرقت من إجلالــه 
             لا خيفة بل هيبـة                    وصيانة لجمالــــــه 
             وأصد عنه تجلـــدا               وأروم طيف خياله 
            فالموت في إدباره                     والعيش في إقباله

وكما قال بعض العارفين رضي الله عنه:

          سبحان من لو سجدنا بالعيون له            على شفا الشوك والمحمى من الإبر 
           لم نبلغ العشر من معشار نعمتـــه      ولا العشـير ولا عشـرا من العشــــــــر

ثم أنشد بعدها أبياتا وغاب في وسط الخلق وكان في موقف عرفة, فسألت عنه فقيل لي:” هو أبو عبيدة الخواص وله (أو منذ) أربعين سنة ما رفع رأسه إلى السماء حياء من الله تعالى” ؛ وهذا هو حياء العارفين. ثم التقرب إلى الله تعالى بمحق العلائق وقطع العوائق وترك الملابسات والمساكنات والملاحظات, لا لغرض ولا لِتَخَتّلٍ على الله تعالى, بل قياما بحق عظمته وجلاله وحبا لذاته. لكن كل شخص في هذا على قدر مقامه ورتبته. ومن أبتلي بشئ من مخالفة هذا الأمر فليرجع إلى الله تعالى بالضراعة والابتهال والاستغفار والانكسار والتذلل والاحتقار معترفا بين يدي الله تعالى بعجزه وضعفه, ثم الوقوف مع الله تعالى بلزوم الذل والمسكنة في مركز الافتقار والاضطرار وخوف القلب من مزعجات سطوته وفرقا من خفي مكره ولزوم الرضا والتسليم له سبحانه وتعالى لكل واقع في الوجود بلا انزعاج ولا اضطراب ولا طلبا لزواله, إلا ما كان من أفعال نفسه فليبادر إلى التوبة فيما وقع من خروج أفعاله عن الشرع, فإنه لا يحل له البقاء في ملابسته شرعا, وأن يعلم أنه من حكم الله, فلا عذر له في ترك التوبة. وليعمل بعضا من أوقاته فيما يجرى على يديه من النفع لعباده, لا عموما بل خصوصا, الأقرب فالأقرب من غير إفراط ولا تفريط. وليكن شديد الاهتمام بحقوق إخوانه في, طريقته, التي لا يمكنه التأخر عنها لكن ملازمة الواجب منها فقط من غير أن يجعلها هجيراء, فإن لكل عاقل أوقاتا يخلو فيها بربه لا يمكنه التأخر عنها والاشتغال عنها, وأوقاتا يجالس فيها إخوانه في الطريقة لله تعالى لتذكير أو تعليم أو استفادة مما لم يكن عنده من العلم من غير إفراط ولا تفريط. ثم ليتحين في خلوته مع الله تعالى الأوقات الفاضلة كوسط الليل بعد نوم الناس إلى طلوع الفجر وبعد صلاة الصبح إلى الضحى وبعد صلاة العصر إلى العشاء, عاملا في ذلك بالتشديد والتقريب في معرفة ما يقدر عليه وما (لا) يوجب للنفس كسلا ولا ضجرا جاريا على حد قوله صلى الله عليه وسلم: ” إن هذا الدين يسر ولن يشادّ هذا الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وبشئ من الدلجة” وقوله صلى الله عليه وسلم: ” إن هذا الدين متين فتوغل فيه برفق ولا تبغض لنفسك عبادة الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى..” الحديث؛ وقوله صلى الله عليه وسلم:” خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يملّ حتى تمّلوا.” وليحذر كل الحذر من المجالس ومآخذ العلم التي تؤدي إلى الدخول في مداخل العامة أو الأحوال المخزنية, فإنّ من تتبع ذلك لا يفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة. وليكن اهتمامه في الأخذ في خاصة نفسه ولا يجعل لإخوانه في منافعهم, إن أُهِلَ لذلك, إلا ما فضل عن أوقاته. قال مالك رضي الله عنه وقد سئل عن طلب العلم, فقال:” حسن ولكن اعرف ما يلزمك من صباحك إلى مسائك فالزمه, فإنه آكد على لوازم الشخص في خاصة نفسه من الأمور التي يطالبه الله بها ولا يسامحه في تركها, ومن اعرض عن ذلك متعللا بطلب العلم فقد خسر الدنيا والآخرة. والقول الحق في ذلك فليس لك إلا الله سبحانه فلا تشتغل عنه بغيره ولا تجعل لنفسك إلى سواه منتجعا ولا إلى الإعراض عن بابه تعللا ولا عن الانحياش إليه في الشدائد والمضائق والكروب ملجأ ولا في الرخاء وتواتر النعم عن مراعاة شكره مصرفا. وليكن الأمر في ذلك جاريا على قول أبى العباس المرسى :” أوقات العبد أربعة لا خامس لها وهى إما أن تكون في وقت نعمة فمقتضى الحق منك وجود الشكر, أو تكون في وقت شدة فمقتضى الحق منك وجود الصبر, أو تكون في وقت معصية فمقتضى الحق منك وجود التوبة, أو تكون في وقت الطاعة فمقتضى الحق منك شهود المنة.”. وهذه الحدود التي ذكرها فيها استغراق أوقات العبد كلها, وهى المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم: “من أعطى فشكر وابتلى فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر.” ثم سكت صلى الله عليه وسلم حتى قال بعض الجالسين:” ماذا يا رسول الله؟ ” قال:” أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.” أراد صلى الله عليه وسلم بقوله لهم الأمن يعنى لهم الأمن من عذاب الله في الآخرة وهم مهتدون في الدنيا.

وليكن جميع ما ذكرناه أن يكون خالصا لله لا يخالطه شئ من غير الله تعالى.

وهذه الوصية لأصحاب الحجاب, أما من صفت له المعارف حتى رسخت قدمه فيها فهو مما يعطيه وقته وحاله ومقامه وتجليه ليس له عن نفسه اختيار ولا مع غير الله قرار, والسلام. وصلى الله علي سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما. 

جواهرالمعاني

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي