بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم
السؤال – الجواب 39
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو من حضرتكم أن تبينوا لي هل أن معاوية إبن ابي سفيان نلعنه أو نترضا عليه وما هي أدلتكم على ذلك؟ جزاكم الله خيراً ونفعنا بعلمكم
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلا نَصِيفَهُ.” رواه البخاري ومسلم
قال ابن مسعود رضي الله عنه:
” إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ ” رواه أحمد في “المسند” .
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في “الكفاية”:
” على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء، لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، و المناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين، القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتد بقوله من الفقهاء ” . .
قال ابن تيمية رحمه الله: ” وأهل السنة تحسن القول فيهم وتترحم عليهم وتستغفر لهم، لكن لا يعتقدون العصمة من الإقرار على الذنوب وعلى الخطأ في الاجتهاد إلا لرسول الله، ومن سواه فيجوز عليه الإقرار على الذنب والخطأ، لكن هم كما قال تعالى:” أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ” ، وفضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها لا بصورها ” “مجموع الفتاوي” .
وقد قرر ذلك الكتاب والسنة في أكثر من موقف :
فقد تجاوزَ الله سبحانه وتعالى عمن تولى يوم أُحُدٍ من الصحابة ، فقال سبحانه وتعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ “
ولما أذنب بعض الصحابة حين أخبر قريشا بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالجيش عام الفتح ، وهَمَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتله ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّهُ قَد شَهِدَ بَدرًا ، وَمَا يُدرِيكَ ؟ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهلِ بَدرٍ فَقَالَ: اعمَلُوا مَا شِئتُم، فَقَد غَفَرتُ لَكُم.” رواه البخاري ومسلم
وتلك أخبار لا ينسخها شيء. والله تعالى أعلم.
أما فيما يخص معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه:
الجمع بين ” معاوية ابن أبي سفيان ” وابنه ” يزيد ” بحكم واحد هو خطأ كبير، وحكم جائر . فمعاوية صحابي جليل، يترضى عنه أهل السنَّة، ولم يحصل منه قتل لأهل البيت، ولا قتال لهم، بخلاف ابنه يزيد، فهو ليس صحابيّاً، وهو الذي كان في خلافته قتل الحسين رضي الله عنه ومن معه من أهله. ومن أهل السنة من يلعنه فضلا عن الشيعة.
ومن ذلك ما قد صح عن صالح بن أحمد بن حنبل رحمهما الله قال: قلت لأبي: إن قوما ينسبوننا إلى تولي يزيد! فقال: يا بني وهل يتولى يزيد أحد يؤمن بالله، ولم لا يلعن من لعنه الله في كتابه؟! فقلت: في أي آية؟ قال: في قوله تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم). فهل يكون فساد أعظم من القتل؟ !
في الافادة الاحمدية لمريد السعادة الابدية لسيدي محمد الطيب السفياني رضي الله عنه، تقديم وتعليق الشيخ سيدي محمد الحافظ التجاني رضي الله عنه في حرف الياء -263-
قال سيدنا احمد التجاني رضي الله عنه: يزيد بن معاوية ملعون لقوله تعالى (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) ولقوله عز وجل فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم). ولا إذاية له صلى الله عليه وسلم أعظم من قتل ولده وقطع رحمه صلى الله عليه وسلم وعلى آله.
وعلق على ذلك الشيخ سيدي محمد الحافظ رضي الله عنه: لأنه فعل ما يستحق عليه الطرد، وقد ورد ذلك عن بعض الأئمة من السلف رضي الله عنهم، ويفعل الله ما يشاء. أه
سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله أيهما أفضل: معاوية بن أبي سفيان، أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من عمر بألف مرة، صلَّى معاوية خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمع الله لمن حمده، فقال معاوية: ربنا ولك الحمد، فما بعد هذا؟ ” وفيات الأعيان ” لابن خلكان.
وعن الجراح الموصلي قال : سمعتُ رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ؛ أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟ فرأيته غضب غضباً شديداً، وقال: لا يقاس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحد، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل. ” الشريعة ” للآجري.
والحاصل ، علينا أن نعتقد أن معاوية رضي الله عنه ، صحابي جليل ، قد فتح على يديه وفي زمانه بلداناً ، ودخل بسبب ذلك في دين الله أفواج من الناس .
و نختم بما نقله سيدي علي حرازم رضي الله عنه في “جواهر المعاني” عن سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه :
” سألته رضي الله عنه عن تفضيل الصحابي الذي لم يفتح عليه عن القطب من غير الصحابة فأجاب : الراجح تفضيل الصحابي على القطب بشاهد قوله صلى الله عليه و سلم :” إن الله اصطفى أصحابي على سائر العالمين سوى النبيين و المرسلين” ، و قوله صلى الله عليه و سلم :” لَو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم و لا نصيفه .” وهذا من شدة اعتناء الله بنبيه صلى الله عليه وسلم …”
وقال سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه وفي موضع آخر من “جواهر المعاني”:
“ كل واحد من الصحابة الذين بلّغوا الدين مكتوب في صحيفته جميع أعمال من بعده من وقته إلى هذه الأمة، فإذا فهم هذا ففضل الصحابة لا مطمع فيه لمن بعدهم… ثم ضرب مثلا رضي الله عنه لعمل الصحابة مع غيرهم: عملنا معهم كمشي النملة مع سرعة طيران القطاة ” -أي الصقرـ.
فلنحسن الظن إذن بكل الصحابة رضي الله عنهم ومن بينهم الصحابي الجليل معاوية ابن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه والله هو ولي التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته