السؤال – الجواب 40

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

السلام عليكم ورحمة الله 
قال مجنون: قال في جواهر المعاني “ص145 ج2”: ( إن وليًّا – وذكر اسمه – كان كثيرًا ما يلقى النبي صلّى الله عليه وسلّم، و يعلمه الشعر ). كيف ؟ و قد قال الله تعالى: { وَ مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَ مَا يَنبَغِي لَهُ } [يس: 69] و هذا كذب على رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و افتراء عليه .
هل قال شيخنا أحمد التجاني هذا وماذا تقولون جزاكم الله خيرا انتظر جوابكم

الجواب

سيدي الفاضل  !
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته  !
يروج البعض أن اصحاب الطريقة التجانية يعتقدون ان الرسول صلى الله عليه و سلم شاعر و يعلم الشعر و اصل هذه الشبهات ما قد ورد في كتاب جواهر المعاني كما أخبر بذلك سيدي علي حرازم براده رضي الله عنه في 
الفصل الثالثفي إشارته العلوية و حل مشكلاتها بعبارات وهبية  [ص342  لطبعة دار الكتب العلمية ] ما يلي : 
وَهَذِهِ الأَبْيَاتُ الَّتِي نَذْكُرُهَا بَعْدُ عَلَّمَهَا سَيِّدُ الوُجُودِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَنَامِ، لِلْوَلِيِّ الصَّالِحِ وَالسَّعْيِ الرَّابِحِ، صَاحِبِ المَشْهَدِ الكَرِيمِ الوَاضِحِ أَبِي  عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِي مُحَمَّدٍ بْنِ العَرْبِيِّ التَّازِي دَاراً الدَّمْرَاوِيِّ أَصْلاً. المُتَوَفَّى بِعَيْنِ مَاضِي سَنَةَ 1214، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ وَجَدَهَا فِي فِيهِ يَذْكُرُهَا فَحَفِظَهَا، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَقِيَ مَوْلَانَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقَظَةً، وَكَانَ يُلَاقِيهِ فِي اليَقَظَةِ كَثِيراً.
فَسَأَلَهُ عَنْ مَعْنَى الأَبْيَاتِ وَطَلَبَ مِنْهُ  شَرْحَ الأَبْيَاتِ، فَأَجَابَهُ لِذَلِكَ مَوْلَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَحَبَّتِهِ فِي شَيْخِنَا وَأُسْتَاذِنَا مَوْلَانَا أَحْمَدَ بْنِ مَحَمَّدٍ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ تِلْمِيذٌ لَهُ، وَصَرَّحَ لَهُ سَيِّدُ الوُجُودِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ لَهُ: لَوْلَا مَحَبَّتُكَ فِي التِّجَانِي مَا رَأَيْتَنِي قَطُّ، أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ مِمَّا هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَالَ لَهُ: أَعْطِ شَرْحَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ لِلتِّجَانِي، وَهَذَا نَصُّ الأَبْيَاتِ:

فَبِالمَجْدِ  وَالتَّحْمِيدِ بِهِ تَتَجَلَّى ذَاتُهُ * وَبِالقَصْدِ كَانَ المَنْعُ لِي وَحْدِي
وَبِحَقِّ الحَقِّ بِالحَقِّ تَرَى حَقِيقَتَهُ * وَبِالحَقِّ لَا بِالحَقِّ احْتَجَبَ عَنِّي زَنْدِي
وَفِي تَدْبِيرِ أَمْرِهِ أَحَاطَتْ قُدْرَتُهُ * وَبِالقَصْدِ لَا بِالقَصْدِ احْتَجَبَ عَنْهُمْ أَخْذِي
فَاغْرَقْ فِي بَحْرِ الوَحْدَةِ تَرَى وَحْدَتَهُ * تَرْتَفِعُ عَنْكَ الحُجُبُ حَتَّى تَرَى الأَسْوَدَ بِالضِّدِّ

هذا بالنسبة للشق الأول من سؤالك أما بالنسبة للشق الثاني و ماذا تقولون في ذلك ؟ 
 في ما يخص قوله تعالى : ” وما علمناه الشعر وما ينبغي له “.[يس: 69 ] 
وعلى تسليم أن هذا شعر حتى يسقط الإعتراض
قال بعض المفسرين :” أخبر الله تعالى عن حال نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لا يعلم الشعر ، ورد قول من قال من الكفار إنه شاعر ، وأن القرآن شعر ، بقوله : ” وما علمناه الشعر وما ينبغي له ”  فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول الشعر ولا يزنه . 
وقال أبو إسحاق الزجاج:” في معنى ” وما علمناه الشعر” وما علمناه أن يشعر أي ما جعلناه شاعراً، وهذا لا يمنع أن ينشد شيئاً من الشعر” و قال النحاس:” وهذا من أحسن ما قيل في هذا. ” وقد قيل: إنما خبر الله عز وجل أنه ما علمه الله الشعر، ولم يخبر أنه لا ينشد شعراً، وهذا ظاهر الكلام . 
قوله تعالى: ” وما ينبغي له ” أي وما ينبغي له أن يقوله. وجعل الله عز و جل ذلك علماً من أعلام نبيه عليه السلام لئلا تدخل الشبهة على من أرسل إليه، فيظن أنه قوي على القرآن بما في طبعه من القوة على الشعر . 
قال ابن العربي : هذه الآية ليست من عيب الشعر؛ كما لم يكن قوله: { وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت : 48] من عيب الكتابة، فلما لم تكن الأمية من عيب الخط، كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي صلى الله عليه وسلم من عيب الشعر   
  يعني: لم نُعلمه الشعر لنقصٍ ، فلو أراد أنْ يقول شعراً لَقَالَ الشعر على أحسن مَا يُقَال، لكن لا ينبغي له ذلك 
وهذا كله أمر مقيد بزمن بعثته صلى الله عليه و سلم حتى تذهب شبهة صدور القرآن عن القريحة البشرية، أما و قد مضى زمن بعثته صلى الله عليه و سلم فلا مانع شرعا ولا عقلا أن يعلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد الأولياء من أمته بعض العلوم اللدنية عبر وعاء الرجز أو الشعر أو أن يلقنه بعض الأبيات اللدنية ، فالشعر غير مذموم في حد ذاته ، إنما عدم تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ملكة الشعر قيد حياته كان تنزيها  لكتاب الله عن كونه بشري المصدر، وبما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتقل إلى جوار ربه و انتفت بذلك شبهة تأليف القرآن من بشر، فلا مانع إذن من أن يمدّ الله أحد أوليائه بعلوم لدنية عبر وعاء الشعر بوساطة رسول الله صلى الله عليه و سلم  إذا كان ذلك الولي ذا قريحة شعرية ، ألم  يقل صلى الله عليه و سلم:” : مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ.” فكل ما برز من علوم على بساط الولاية فعائد إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو البرزخ الأعظم و هذا الأمر ثابت في حياته و بعد وفاته صلى الله عليه و سلم . 
 و ما علمناه الشعر أي قيد حياته الدنيوية و زمان بعثته صلى الله عليه و سلم ولا يعني ذلك أنه لن يعلمه الشعر على الإطلاق. كيف ذلك ؟ فهو صلى الله عليه و سلم محل بروز كل العلوم على الإطلاق و إنما كان النفي  في سياق هذه الآية عائد إلى إزاحة شبهة بشرية القرآن و هذا الأمر من جنس العام الذي أريد به الخصوص  كقوله تعالى :” تدمر كل شيء بأمر ربها ”  إنما عنى به تعالى مما أرسلت بهلاكه ؛ لأنها لم تدمر هودا عليه السلام ومن كان آمن به . 
و بهذا يتبين لك  أن الاستدلال بهذه الآية لإثبات كذب شيخنا أحمد التجاني الصادق الصدّيق قدس الله سره و رضي الله عنه استدلال  خاطئ عائد إلى سطحية  المستدل من جهة و من جهة أخرى الذي أورد هذه الحادثة هو الخليفة سيدي علي حرازم رضي الله عنه في جواهر المعاني كما بينا ذلك ناقلا هذه الواقعة عن سيدي محمد بن العربي التازي الدمراوي رضي الله عنه  رزقنا الله حسن الظن بأوليائه و حسن الأدب معهم  .  و الله هو الموفق للصواب .

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي