سلوك المنهج القويم في الطريقة التجانية من أضعف تلاميذ سيدنا الشيخ رضي الله عنه محمد المنصور المحي الدين التجاني عامله الله بلطفه – جزء 1

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

عن أبي تميم بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”الدين النصيحة  قلنا :” لمن يا رسول الله ؟  قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.“. 

إن أول قدم في الطريق إلى الله الصدق ، فإذا كان أحدنا صادقا ورسخت قدمه  في صدق المحبة لسيدنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه وقويت رابطته بحبل الطريقة إلى أن يتحقق من نفسه أنه ليس له أدنى تعلق و لا طلب من غيره من الأولياء قدس الله سرهم أحياء أو أمواتا حتى لو أنه  رأى قطب الوقت وأظهر له الكرامات المتعددة الدالة على ولايته الخاصة لما الفت إليه لتمكنه من صدق المحبة لشيخه .

يذكر بعض أهل هذه الطريقة أنه رأى في بعض وقائعه الخضر عليه السلام فقال له:” أنا الخضر فهل من حاجة ؟ ” فقال له:”  إن الله تعالى أغناني عنك و عن غيرك من الأولياء بشيخي ووسيلتي إلى ربي سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه.” . 

  قال الله تعالى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ } [آل عمران 3 الآية  :31] 

إن محبة حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه  هي أساس السلوك في طريقتنا الأحمدية محمدية الإبراهيمية الحنفية التجانية  قال رضي الله عنه :” قد أخبرني سيد الوجود أن كل من أحبني فهو حبيب للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يكون وليا قطعا .” و قال رضي الله عنه:” قال سيد الوجود صلى الله عليه وسلم:” أنت من الآمنين و من أحبك من الآمنين أنت حبيبي ومن أحبك حبيبي.”.” و قال رضي الله عنه:” أبشروا أن كل من كان في محبتنا إلى أن مات عليها يبعث من الآمنين على أي حالة كان ما لم يلبس حلة الأمن من مكر الله.” وأخبر سيدي محمد بن العربي التازي  الدمراوي رضي الله عنه  الذي كان ممن يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين  مرة في اليوم ، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صرح له بالقول  :” لولا محبتك في التجاني ما رأيتني قط  “.كما بلغ عن سيدي محمد الغالي رضي الله عنه أحد أركان هذه الطريقة المحمدية أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام  فقال له :” أنت ابن الحبيب وأخذت طريقة الحبيب .”.

ولكن  محبة حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه يلزمها الإتباع لأنه شرط لها ومن لم يتبع فليس بمحب ودعواه كاذبة . 

سُئل رضي الله عنه:” أيكذب عليك ؟” قال:” نعم “، وإتباعه رضي الله عنه يكون في كل قول وحركة و سكون وعمل وحال. 

وقد كان سيدنا الشيخ رضي الله عنه شديد الحرص على الالتزام بشرع الله فقد قال رضي الله عنه:” إذا سمعتم عني شيئا فزنوه بميزان الشرع فإن وافق فاعملوا به وإن خالف فاتركوه.”. كذلك نحن على مستوى الطريقة يجب علينا أن نَزنَ أعمالنا بميزان سيدنا الشيخ رضي الله عنه فما وافق قوله نعمل به، وما خالف نتركه.

   قال الإمام الرفاعي رضي الله عنه  في هذا المضمار:” يا تلاميذي ! أنا بريء ممن سبني ! ” قالوا: ” كيف نسبك وأنت شيخنا ؟”   قال : ” بقولكم ما لم أقل و بارتكابكم المنهيات فإذا رأى الناس ذلك منكم قالوا:” إن لم يروا أو يسمعوا ذلك من شيخهم ما كانوا ليفعلوه“.”. فهناك الكثير من المسلمين من يعتبر نفسه منتسبا إلى هذه الطريقة المباركة ولكنهم لم يجلوها بسبب جهلهم وضلالاتهم.

وقال الإمام الرفاعي رضي الله عنه  :” إن الطريقة لا تقاس بعدد أدعيائها ولكنها تقاس بعمل شيخ الطريقة فقط .” وبذلك فإن عمل شيخنا وحبيبنا التجاني رضي الله عنه هو الذي يحدد لنا منهج السلوك في طريقتنا المباركة  ، ولكنني لاحظت وبكل أسف أن سلوكه رضي الله عنه قد هُجر إلا ممن رحم الله ، كما  ظهر لي عبر ما سمعت و من خلال لقاءاتي و  مختلف حواراتي أن كل شخص يرجو من خلال هذه الطريقة التجانية الشريفة الحصول على منفعة مادية أو اجتماعية  أو مشيخة  أو تقديم أو البحث عن أسرار أسماء الله العظام أو أشياء أخرى من هذا القبيل ، و الكل مهموم بأهواء نفسه التي توجهه نحو سبل الأغراض الشخصية أو  إلى سراب الرغبات الدنيوية ، فأثار ذلك  تعجبي للجهل بما ينبغي لكل سالك معرفته لكي لا يقع في شرك الأغراض. 

والأغرب من ذلك أنّي حضرت  بعض المجالس التي يُتحدث فيها عن مواضيعَ  يُخَالف فيها تماما قول حبيبنا  و مولانا  أحمد التجاني رضي الله عنه ، في حين أنه رضي الله عنه يرشدنا عبر هذه الطريقة المباركة إلى سلوك يطابق تماما التربية الكاملة التي أدبه بها  نبينا  محمد صلى الله عليه و سلم يقظة لا مناما .   

ولذلك يجب على من يقوم بالإرشاد في هذه الطريقة الأحمدية  أن يعرض كلامه  أولا على كلام سيدنا الشيخ رضي الله عنه  فما وافق يأخذ به و ما عارض يُعرض عنه  حتى لا يكون كمن قال في حقه حبيبنا ومولانا  أحمد التجاني رضي الله عنه في مجلس حافل بأكابر علماء عصره :” لا تكن كمن يحمل الأثقال ، ما حَمّلُوك تَحمِلُه  ! “. 

و لنعلم قبل كل شيء ، أن هذه الطريقة  المباركة  طريقة صوفية هدفها  الوحيد هو التوجه إلى الله والإعراض عما سواه ؛ فهي لا تقبل الزيادة و لا النقصان ، فمثلها كمثل دين الإسلام الذي هو تام و كامل ، قال الله تعالى { : اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِينًا } [المائدة 5  الآية: 3].

إن حبيبنا ومولانا أحمد التجاني رضي الله عنه لم يرتحل إلى جوار ربه قبل أن  يترك لنا هذه الطريقة المباركة كاملة ، و تامة ، و واضحة  ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، و لذلك  يجب  على كل تجانِيّ أن لا يحيد عن سلوكه رضي الله عنه ولاعن تربيته  ، و  أن لا  يتحدث أو يرشد أو يربيَ  إلا بلسانه رضي الله عنه .

كما يجب علينا أن نحرص على اجتناب أهوائنا و أفكارنا وأن نلتزم بكل ما جاء به سيدنا الشيخ رضي الله عنه جملة وتفصيلا.  فليس لنا كلام مع كلامه رضي عنه لله عنه، فلسانه لسان الحق ، وهو قدوة  للعامة ، و للخاصة ، و لخاصة الخاصة  من الإنس و الجن ، و أسوتنا في ذلك الصحابة  الكرام والتابعين رضوان الله عليهم ، فبالرغم من عظم درجتهم اكتفوا بتبليغنا ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان خشية أن يُحدثوا في الدين ما ليس منه فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد .”  فهكذا كان حالهم رضي الله عنهم مع كونهم  ذوي خصوصية وعلم خاص كأبي بكر الصديق  رضي الله عنه ، وعمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، وعثمان ابن عفان رضي الله عنه ، وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أنا مدينة العلم وعلي بابها .” ، وابن عباس رضي الله عنه، وأبا هريرة رضي الله عنه الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن أردت أن لا تُوقَفَ على الصراط طُرفة عين، فلا تُحدثن في دين الله حَدثا برأيِك وامتثل أمرَ القرآنِ و إتباع أمرهِ ونهيهِ” و آخرون غيرهم رضي الله عنهم.  وهكذا كان الشأن بالنسبة  لأصحاب الشيخ و ما أدراك ما أصحاب الشيخ رضوان الله عليهم الذين لم يزيدوا ولم ينقصوا في هذه الطريقة المباركة و في التربية التي جاء بها  سيدنا و شيخنا التجاني رضي الله عنه مع كونهم ذوي خصوصية وعلم خاص إلا في حالة وجود إذن خاص منه رضي الله عنه.

وعلينا  أن نتأدب  مع حبيبنا و مولانا  التجاني رضي الله عنه كما كان رضي الله عنه يتأدب مع رسول الله عليه الصلاة و السلام  . قال رضي الله عنه واصفا حاله مع النبي صلى الله عليه وسلم في إحدى رسائله:” و ليكن في كريم علمك أن حالتي معه صلى الله عليه و سلم بمنزلة خادم الملك الجالس في حضرته بالصمت و الأدب. و لا يطلب أمرا ولا يسلم من عند الملك بشيء و إنما هو إذا أمر الملك بأمر بادر وامتثل، و إلا فهو جالس في حضرة الملك بالأدب و الصمت  ، ولا أقدر أن أطلب منه شيئا و لا أن أسأله  عن شيء و لا أتوجه إليه في شيء إلا إذا أمرني بفعل شيء امتثلت . و قد زجرني و أدبني عن الطلب و السؤال منذ سنين .”. 

إن حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه  هو شيخ هذه الطريقة المحمدية  بلا منازع ، وهو القطب المكتوم و  الوارث المحمدي المعلوم ، و هو خاتم الأولياء و  المتلقي لجميع ما يفيض من ذوات الأنبياء و ممد جميع الأولياء من بدأت العالم إلى النفخ في الصور  ، والخلفاء والمشايخ والمقدمين، عظم شأنهم أم صغر،  ليسوا إلا تلاميذ في حضرته رضي الله عنه  ولا يسعهم إلا توجيه إليه ، قال سيدنا الشيخ  رضي الله عنه : ” أصحابي كلهم واحد ، و من يعرفني يعرفني وحدي . “

 و لا يحسبن أحدنا أن هذا الأمر لازم في حياته و منقطعا بعد وفاته  فحبيبنا و مولانا  أحمد التجاني رضي الله عنه لازال يرى ويسمع و يتكلم و يفيض علينا من مدده و فيوضا ته وأنواره وعرفانه وعلومه وأسراره   . فما غَاب عنا ولكننا نحن الذين غبنا عنه و لم نعتبره حاضرا بيننا ، و علينا أن نعتقد حضوره.

 ومن توهم أنه  رضي الله عنه انقطع جميع مدده  بموته رضي الله عنه كسائر الأموات فقد جهل رتبته رضي الله عنه وأساء الأدب معه ويُخشى عليه من هذا الاعتقاد . قال الله تعالى : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا} .[الأعراف 7 من الآية: 179].   

وقد حدّث الشريف سيدي محمد الغالي بوطالب رضي الله عنه أنه رأى سيدنا الشيخ رضي الله عنه بعد وفاته و قال له:” يا سيدي سرت عنا و تركتنا ” ، فأجاب رضي الله عنه بقوله : ” لم أغب عنكم و لم أترككم و إنما هي نقلة من دار ترابية إلى دار نورانية .”. 

فلنتق الله في أنفسنا و في الناس أجمعين فلا نزيد في هذه طريقة المباركة ولا ننقص قال الله تعالى:{يَأيّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر59 الآية :18] وقال الله تعالى:{ يَـٰٓأيّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلاً۬ سَدِيدً۬ا  } [ الأحزاب 33 الآية: 70] ­­وقال تعالى :{… وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً } [النساء4 من الآية:131 ]  وقال تعالى :” { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } [البقرة2 الآية 281] وقال الله تعالى :{ يَأيّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارً۬ا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَـٰٓٮِٕكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ۬ لاَ يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ } [   التحريم 66  الآية :6 ].

فلنلزم إذن الأدب والسمع و الطاعة  مع حبيبنا و مولانا  أحمد التجاني رضي الله عنه : قال الله تعالى :” { يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ  }    [النساء4 من آية : 59]. 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه، وَمَنْ عَصَاني فَقَدْ عَصَى اللَّه، وَمَنْ يُطِعِ الأمِيرَ فَقَدْ أطَاعَني، ومَنْ يعْصِ الأمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي ” متفقٌ عليه.
  
ولابد من إتباع تعاليم حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه حتى لا نحيد عن سلوكه رضي الله عنه ، وقد تلقى الشيخ المعروف سيدي عمر الفوتي رضي الله عنه  من صاحب سيدنا رضي الله عنه  سيدي محمد الغالي رضي الله عنه كتاب جواهر المعاني  ناصحا إياه أن يقرأه بانتباه حتى لا يحيد عن سبيل الحق. 

 ثم إن هذه الطريقة المباركة لا تصنع الأفراد لأجل الكرامات أو للثناء فالكرامات ليست معيار يدل على الولاية و يجب الحذر منها وعدم الركون لها  حتى لا يكون ذلك منفذا للشيطان  واستدراجا يؤدي إلى الضلال و الهلاك . قال الله تعالى: { أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف7 الآية:99]. 

قيل لأبي يزيد رضي الله عنه:” فلان يمشي في ليلة إلى مكة ! ” فقال:” الشيطان يمشي في ساعة من المشرق إلى المغرب في لعنة الله. “، وقيل له :” فلان يمشي على الماء ! ” فقال:” الطير يطير في الهواء ، و السمك يمر على الماء . ” . 

قال الجنيد رضي الله عنه :“لقد مشي باليقين رجال على الماء ومات بالعطش رجال أفضل منهم .”.

فإذا فهمت هذا،  فعلم أن مهمة السلوك في هذه الطريقة المباركة تقتصر على  توجيه الفرد إلى الحقيقة المحضة على نهج نبينا المصطفى صلى الله عليه و سلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم أجمعين .

قال ابن عطاء الله رضي الله عنه:” ربما رزق الكرامة، من لم تكمل له الاستقامة.”.

   ولا أعظم كرامة من الاستقامة ،  فقدوتنا وحبيبنا  أحمد التجاني رضي الله عنه  كان يُخفي الكرامات ولا يحب ظهورها على أصحابه  رضوان الله عليهم وكان  يَظهَرُ عليه حسن الاستقامة  .

رُوِيَ أن  الحاج سيدي علي التماسيني رضي الله عنه الذي  كان من خاصة الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه و المشهود لهم بالفتح الكبير يعمل أمورا خارقة للعادة مما يدل على عظم مقامه عند الله ، فكان يأتي لزيارة سيدنا الشيخ رضي الله عنه بمدينة فاس عن طريق الخطوة إلى أن زجره رضي الله عنه عن ذلك و قال له:” إن كنت تريد مواصلتي لله فلا تأتني إلا كهيئة عامة الناس بنعلين و عكازة مع رفقة تذوق جميع ما يذوقونه في الطريق من العطش و الإعياء و الخوف وغير ذلك . “.

ويُروى في حادثة أخرى أن سيدنا الشيخ رضي الله عنه صلى العصر ذات يوم بباب داره و صلى معه جماعة نحو ثمانين من أصحابه.

حين التفت من صلاته و أقبل بوجهه على من صلى معه و لم يشعروا كيف سقط بينهم عرجون تمر فنظر إليه الحاضرون و لم يعرفوا من أين سقط عليهم و تحيرت عقولهم .

فلما رأى سيدنا الشيخ رضي الله عنه ذلك من حالهم قال لهم:” هذا فعل ذلك الرجل…” ووصفه بالبهلول . ولما اجتمع بعد ذلك الحدث سيدي علي التماسيني رضي الله عنه  بسيدنا الشيخ رضي الله عنه قال له :”ما حملك عليه ؟” فقال:” يا سيدي أعذرني فإني كنت في ذلك الوقت في حائط لي و الخدام يجنون التمر فرأيت ذلك العرجون فأعجبني فتمنيت أن يصل إلى دارك على حالته فحملني ذلك على أن رميت به و قلت له :”سر حتى تنزل بين يدي سيدي .” . فزجره الشيخ رضي الله عنه و نهاه عن مثل ذلك .

إن السلوك في هذه الطريقة الحنفية  يهيئ الإنسان عبر التخلق بالأخلاق الحسنة إلى  سلوك الصراط المستقيم ، الذي لا ننفك عن طلبه من الله تعالى بقولنا : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } [الفاتحة1 الآية:  6]  ،  كما أنها تجعله متحققا بتوحيد ومنهج الأنبياء عليهم السلام  ، الذين بذلوا أرواحهم في سبيل الله . قال الله تعالى في حديث قدسي:” قربوا أهل لا إله إلا الله تحت ظل عرشي فإني أحبهم. ” و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أفضل ما قلته أنا و النبيون من قبلي لا إله إلا الله وقال عليه الصلاة و السلام:“ما تحت قبة السماء إله يعبد من دون الله أعظم من هوى مُتَّبَعٌ.

و طريقتنا طريقة  ذات مشرب إبراهيمي تحث على كمال التعلق بالله و تمام إخلاص الوجهة إليه والإعراض عن التعلق بما سواه  فمن تمام عبودية سيدنا إبراهيم عليه السلام لله وأدائه لحقوق الربوبية أنه لما أُدرج في المنجنيق ليُلقى به في النار قال له  الأمين جبريل عليه السلام بعدما أعرض عن ملك الرياح و ملك الأمطار :” ألك حاجة ؟” فأجابه عليه السلام :”أما إليك فلا وأما إلى الله فبلى .” فقال له الأمين جبريل:” فسله إذن !” فقال:”حسبي من سؤالي، علمه بحالي. ” .

فمن أجل كون مدار الدلالة في هذه الطريقة المباركة على هذه الحالة الشريفة، فهي إذن إبراهيمية حنفية و جذورها تمتد عبر أصول كتاب الله تعالى وسنة رسوله المطهرة عليه الصلاة و السلام فكان ذلك تماما لها و زادها تشريفا . 

أريد الرجوع إلى هذه الطريقة المباركة ! طريقة معدن الحقيقة !طريقة الحقيقة المحضة !

فبها و بشروطها نرتحل إلى المقامات العليا ، وزادنا الوحيد فيها هو المحبة و العبودية الخالصة لله تعالى .                         

قال حبيبنا ومولانا الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه :” 

 إن الرب سبحانه وتعالى يعبد لا لغرض بل لكونه إلها يستحق الألوهية و العبادة لذاته تعالى و لما هو عليه من محامد الصفات العلية ، و الأسماء البهية ، . و هذه هي العبادة العليا ٠ و كذلك الشيخ يصحب لا لغرض بل لتجذبه موالاته إلى ولاية الله تعالى .”. 

أنصحكم يا أحبائي في الله ! 

علينا أن نجتهد بإخلاص على العمل  بوصية حبيبنا و مولانا  أحمد التجاني رضي الله عنه  حتى نكون في حق إتباعه وعلينا السمع و الطاعة له و للقد وات الذين لا يخرجون عن هديه من بعده  .

قال الإمام الغزالي رضي الله عنه :” النصيحة سهلة و المشكل قبولها لأنها في مذاق متبعي الهوى مرة إذ الملاهي محبوبة في قلوبهم .” .

   ليعرض كل واحد منا نفسه على تعاليم حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه في النص الآتي ثم ليتفكر و ليسأل نفسه :”

أولا و قبل كل شيء ،  هل اطلعت على شروط الطريقة التجانية  والتزمت بها حتى أعتبر نفسي تجانيا حقا ؟

 ثم هل أتبع حقا منهج السلوك الذي وضعه القطب المكتوم رضي الله عنه ؟   

 وأخيرا هل أنا ملتزم بكل ما جاء به سيدنا الشيخ رضي الله عنه في هذا النص ؟ 

قال حبيبنا و مولانا أحمد التجاني رضي الله عنه في فصل يتحدث فيه عما ينبغي لكل سالك و كل متعبد معرفته حتى لا يقع في شرك الأغراض :”

شرك الأغراض هو أحد أقسام الشرك الستة ، و المراد به عند أهل الشريعة هو أعمال البر لغير  الله ، بل لأجل نيل المحمدة من الخلق أو تحصيل غرض من قِبَلِهم أو دفع مضرة أو اتقاء مذمة أو العمل لأجل نيل الحور و القصور في الجنة مجردا وخُلُوه عن امتثال أمره . وأما إذا نوى بعبادته و عمله وجه الله تعالى و امتثال أمره و أداء حق ربوبيته و التقرب إليه و عبادته لأجله لا لشيء غيره و رجا من ذلك من فضل الله عز و جل ما يُهَيَّأ  له في الجنة من الحور و القصور و غيرهما لا لأجل عبادته بل بمحض الفضل و الكرم و التصديق بوعد الله عز وجل ، فذلك لا حرج  فيه ولا قادح في إخلاصه و إنما يذهب إخلاصه إذا عمل لأجل نيلها خاليا عن إرادة  وجه الله عز وجل و عن عبادته لأجله .

فهذا الذي يقال له عابد هواه و عمله مُحبَط من غير خلاف بل و عليه الإثم الزائد على الإحباط. و أن من عبد الله لأجله أو لإرادة  وجهه أو ابتغاء مرضاته أو امتثال أمره أو توفية   أمره بعبادته أو آداءًا لحق العبودية أو قياما بحق الربوبية أو تعظيما له أو إجلالا له أو محبة له أو حياء منه أن يراه تخلف عن أمره أو شوقا إليه أو شكرا لنعمه فهو مخلص حقا و لا يخالطه رياء حيث تجرد عن الأغراض التي تقدمت. و أن من عبد الله بجميع أنواع الإخلاص فهو المخلص الكامل ثم إن قارنه الرجاء لفضل الله عز و جل و رجاءُ الحور و القصور ونعيم الجنة بمحض الفضل واعتقد أن الله يهبه عندها لا بها فلا قادح في إخلاصه عند أهل الشريعة .

 وأما عند العارفين فذلك من شرك الأغراض ، و الإخلاص عندهم تجريد العبادة لوجه الله عز وجل ، وعبادته لأجله . و إسقاط الرجاء من غيرهِ أنَفَة منهم أن يلتفتوا إلى الأكوان  بقلوبهم لحظة أو يعوّلوا عنها لمحة أو يحبون منها شيئا مع المحبوب الأكبر و هو الله عز وجل إلا أنهم يحبون ما أحب الله لأجله سبحانه و لا يحبون غير الله عز و جل لشهوة أو غرض أو قضاء وطر ، ومن ها هنا يفترقون مع أهل الشريعة في محبة الجنة و الفرار من النار . 

فأما أهل الشريعة فإنهم يحبون الجنة لقضاء شهواتهم فيها و يفرون من النار لما يجدون من الألم فيها، فهم مع الأكوان لذاتها طلبا وهربا . 

و أما العارفون ، فالأكوان كلها عندهم على حد سواء ليس فيها تخصيص لذاتها إلا ما خصصه محبو بهم سبحانه و تعالى ، فهم يفرون من النار و يسألون النجاة منها لا لذاتها و لا لوجود ألمها بل لكونها دار لأعداء الله فهم يكرهون أن يجتمعوا مع الأعداء لحظة فضلا عن الاستقرار، وأيضا لكون أهلها محجوبون عن النظر إلى الله عز وجل و النظر إليهم من أعظم مطالبهم . و أيضا لامتثال الأمر لأن الله عز وجل أمرهم بالتَوَقِّي منها فقال عز وجل :{ قُوا أنْفُسَكُمْ و أهْلِيكُمْ نَارًا…}[التحريم 66 الآية:6] ” إلى آخر الآية. وقال :{ فَقِنَا عَذابَ النَّارِ} [آل عمران الآية :191] فهم لامتثال أمره لا لذاتها وألمها و أنهم يحبون الجنة لا لذتها ولا لقضاء شهواتهم و لا لنيل أغراضهم بل يحبونها لأنها دار أولياء الله تعالى و مستقرهم أيضا لأنها دارٌ فيها يكون النظر إلى الله تبارك وتعالى ، و أيضا، فإن الله تعالى يحبها بحكم شرعه حيث اختارها للأولياء  ، فهم يحبونها لمحبته تعالى فإن المحب الصادق يحب محبوبه، و من أحب محبوبه، و ما آل إلى محبوبه و ذلك من ضروريات المحبة الصادقة.

 و أيضا يمتثلون لأمره سبحانه لأمره إيّاهم  يطلبونها و يحبون حورها و جواريها و ولدانها لأنهم يحبون الله و يحبهم و أن من أحب الله ، يحب الله  و يحب من أحب الله و يحب من أحبه الله فهم في محبتها . و الفرار من النار لله و بالله لا لأنفسهم و لا بأنفسهم بخلاف الأولين ، فإنهم لأنفسهم بأنفسهم فيما أحبوا، و ما هربوا منه ، لكن بعد تخليص العبادة لله عز و جل يحبون من الأكوان ما لم ينهوا عن محبته و الكل لم يخرجوا عن دائرة الشرع ، و ليس يلحقون بالعارفين لأن محبة أهل الشريعة هي من أكبر الذنوب عند العارفين كما قيل :” حسنات الأبرار سيئات المقربين ” لأن العارفين مستَهلكون في عين الجمع غرقى في بحار التوحيد غائبون عن الأكوان بشهود الملك الحق ،لا ينظرون إلى غيره لحظة إلا من أجله كما تقدم ، فهم مع الأكوان بأبدانهم نائمون عنها بأرواحهم و أسرارهم وقلوبهم و عقولهم ليس لهم في غيره إرادة و ليس فيهم ما يسع خردلة أو أقل لغيره . فإن أسرارهم مختطفة عن غيره مقيدة عنده في حضرته عاكفة على شهوده لا علم لها بغيره وأرواحهم تابعة لأسرارهم لا تقدر على التخلف عنها فهي طائرة في بيداء الجبروت قد اشتد شوقها إلى محبوبها لا ينقطع شوقها أبدا ، و قلوبهم تابعة لأرواحهم لا تقدر على التخلف عنها فهي ترتع في هيبته و جلاله  مطرقة في الحياء و الدهشة من عظمته و كبريائه و عقولهم تابعة لقلوبهم و أرواحهم لا تقدر على التخلف عنها فهي متفكرة في عجائب صَنعته شاهدة لأسرار حكمته في خلقه لشدة معرفتها به و نفوسهم و أبدانهم تابعة لعقولهم ، فهي لا تقدر على التخلف عنها . 

فنفوسهم مقهورة عن هواها تحت سلطان محبته، و أبدانهم دائمة أبدا في خدمته قد استغرق المحبوب منهم البعض و الكل ،  لا تختلف ذرة منهم عن مراده جل وعلا، و لذلك كانوا لله في الله مع الله . جعلنا الله منهم بفضله و أنَالَنا ما أنالهم بمنه بجاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . 

فائدة : و أما ما جاء في الأذكار و العبادات لسَعة الرزق و دفع الضر و هلاك الظالم ودفع الفقر و قضاء الحوائج إلى غير ذلك ، فما كان من ذلك منها من جلب رزق  و دفع الفقر و قضاء حاجة مطلوبا لذته بذلك الذكر و العبادة فهو شرك الأغراض و هو حرام بالإجماع ، و إن كان ذلك المطلوب ليُعِينَ على عبادة الله عز وجل ، فلا يخلو من أمرين أيضا ، إما أن يكون قصده بذلك الذكر الخاص أو العبادة الخاصة مجرد غرضه من سَعَة الرزق و غيره  من غير قصْد وجه الله عز وجل بالذكر و العبادة الخاصة ، فذلك من شرك الأغراض أيضا و هو حرام . 

و إن قََََصَد بالذكر و العبادة وجه الله و رجا مع ذلك قضاء غرضه ليستعين به على عبادة ربه و لِيدْعُ عقب عبادته لله بقضاء حاجته فهو جائز و لا حرج فيه ، لكن  بعد اعتقاد أن الله هو الفاعل باختياره لا بذلك الذكر بل عنده لا به و طلَب بالذكر وجه الله عز و جل و أن الأذكار و العبادات لا تأثير لها ، و خواصُّها من الثواب هنا و هناك و أن الله هو الفاعل عندها بمحض اختياره لا بعلة ، فهو وجه صحته.

 و كل هذا تكشفه الأدلة النقلية ، و الله الموفق للصواب و صلى الله على سيدنا محمد و آله و صحبه.

 و الحاصل من هذا كله أن من عبد الله عز وجل لوجهه، لم يخرج عن دائرة الشرع دون غيره، إلا أنهم مختلفون ، فبعضهم الحامل على عبادة الله تعالى وجهُهُ، أعني الذي ثوَّرَهُم و نَهَّضهم إليها رجاءَ فضل الله تعالى واتقاء عذابه وهؤلاء هم أهل الشريعة ،و بعضهم حملهم على عبادة الله تعالى و نهوضهم إليها معرفتُهُم بجلاله و كبريائه و عظمته ، فعبدوه على الحب و الشوق إليه أداء لحق ربوبيته لا لغرض و هم العارفون ، وسوى هذين هالك لا عبادة له فضلا عن الثواب . ”  انتهى . 

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى حق إتباع حبيبنا و مولانا أحمد ابن محمد التجاني رضي الله عنه و أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه  إنه ولي ذلك و القادر عليه  ، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق و الخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق و   الهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم .

من أضعف تلاميذ سيدنا الشيخ رضي الله عنه ،
 محمد المنصور المحي الدين التجاني عامله الله بلطفه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي