الإفادة الأحمدية لمريد السعادة الأبدية – مقتطفات 2

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

[ أكابر أقطاب هذه الأمة ، لا يدركون مراتب أصحابي أعطانا ذلك رغما على أنوفكم ]
سمع بعض الفقهاء الكلام الذي قبله ، فأنكره ذلك على من سمعه منه .فاخبر سيدنا بذلك المنكر . فقال : قولوا له،وذكره 
ثبت عنه رضي الله عنه ، في مواطن آخر ، ما يقيد كلامه أنه محمول على الرجاء ، لاعلى الجزم على الله تبارك وتعالى  وقد وقع نحو في كلام العارفين بالله عز وجل. 
ولنذكر هنا تحقيق الكلام في تفاوت المراتب

بيان أن الصحابة رضي الله عنهم أفضل من غيرهم ومن عداهم فيه الخلاف

قال صلى الله عليه وسلم:” خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم “
قال الحافظ ابن حجر: واقتضى هذا الحديث، أن تكون الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد ؟ محل بحث . وإلى الثاني نحا الجمهور . والأول قول ابن عبد البر. والذي يظهر، أن من قاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، أوفي زمانه بأمره، أو أنفق شيئا من ماله بسببه، لا يعد له في الفضل أحد بعده كائنا من كان، وأما من لم يقع له ذلك، فهو محل البحث.والأصل في ذلك قوله تعالى: « لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا » الآية.واحتج ابن عبد البر بحديث : « مثل أمتي مثل المطر ، لا يدري أوله خير أم آخره »وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ، وأغرب النوري فعزاه في فتاويه إلى مسند أبي يعلي من حديث أنس بإسناد ضعيف ، مع أنه عند الترمذي بإسناد أقوى منه من حديث أنس ، وصححه ابن حيان من حديث عمار . وأجاب عنه النووي بما حاصله : أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذاك ، من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم عليه السلام ، ويرون ما في زمانه من الخير والبركة ، وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر ، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أيّ الزمانين خير. وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم : « خير القرون قرني » والله أعلم 

وقد روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير نفير – أحد التابعين – بإسناد حسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ليدركن المسيح أقواما إنهم لمثلكم أو خير ، ثلاثا ، ولن يخزي الله أمة أنا أو لها والمسيح آخرها ».وروى أبو داود والترمذي ، من حديث أبي ثعلبة رفعه : « يأتي أيام ، للعامل فيهن أجر خمسين ، قيل : منهم أو منا يا رسول الله ؟ قال : بل منكم » وهو شاهد لحديث : « مثل أمتي مثل المطر ».واحتج ابن عبد البر أيضا ، بحديث عمر رفعه ، « أفضل الخلق إيمانا قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني » الحديث أخرجه وغيره لكن إسناد ضعيف فلا حجة فيه. 
وروى أحمد والدارمي والطبراني ، من حديث أبي جمعة قال : قال أبو عبيدة : يا رسول الله ، أأحد خير منا ؟ أسلمنا معك  وجاهدنا معك . قال : قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني . وإسناده حسن ، وقد صححه الحاكم واحتج أيضا بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون ، أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به، وصبروا على الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن كانوا أيضا عند ذلك غرباء وزكت أعمالهم  في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك ويشهد له ما رواه مسلم عن أن هريرة رفعه : « بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبي للغرباء »وقد تعقب كلام ابن عبد البر ، بأن مقتضى كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد الصحابة ، من يكون أفضل من بعض الصحابة ، وبذلك صرح القرطبي ، لكن كلام ابن عبد البر ليس على الإطلاق في حق جميع الصحابة ، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية . نعم والذي ذهب إليه الجمهور ، أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل ، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما من اتفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقي عنه وتبلغيه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعد لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا والذي سبق بها مثل أجر من عمل بها من بعده فظهر فضلهم 
 ومحصل النزاع ، يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم فإن جمع بين مختلف الأحاديث المذكورة كان متجها على أن حديث : للعامل منهم أجر خمسين منكم ، لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة . لأن مجرد زيادة الأجر، لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة. وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل. فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم، من زيادة فضيلة المشاهدة، فلا يعدله فيها أجد. فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة على نقطة، فقد رواه بعضهم بلفظ الجبرية كما تقدم، ورواه بعضهم بلفظ: قلنا، يا رسول الله، هل قوم أعظم منا أجرا ؟ الحديث أخرجه الطبراني . وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة، وقد تقدم الجواب عنه والله أعلم. 
قال شيخ الإسلام الشيخ الحفني ، في شرحه على الجامع الصغير ، قوله :قرني ، أي أهله ، والمراد الصحابة . فكل فرد منهم خير من جميع أفراد غيرهم.وينتهي أمرهم إلى مائة وعشرين سنة . وكل فرد من التابعين ، أفضل ممن بعده من حيث كونه تابعا ، ويستمر أمرهم إلى مائة وتسعين سنة . وكل فرد من أتباع التابعين، أفضل ممن بعدهم من تلك الحيثية، وإن كان من بعد أفضل من حيثية أخرى، كعلم، وينتهي أمرهم إلى مائتين وعشرين سنة. اهـ . 
وعلى هذا، إذا تساوى رجلان في جميع الفضائل، وكان أحدهما تابعيا والآخر من أتباع التابعين، فالتابعي أفضل. فإن كان غير التابعي شريفا، والتابعي أعجميا، كان التابعي أفضل من حيث كونه تابعيا، وتابع التابعي أفضل من حيث كونه شريفا وكذلك العالم والجاهل. ولا يعقل أن يكون الحجاج بن يوسف الثقفي وأمثاله ، أفضل من الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وجعفر الصادق وأمثالهم من الأئمة والصالحين . وإن كان تابعيا. 
وقال العزيزي شارح الجامع الصغير، عند هذا الحديث. قال العلقمي : هل هذه الفضيلة ، بالنسبة إلى المجموع أو الأفراد محل بحث ؟ والذي فهمته من مجموع كلامهم – وهو الوجه الذي لا يعدل عنه – أن كل شخص ثبتت له الصحبة أفضل من التابعي، وإن اتصف بالعلم وغيره. 
وفي جواهر المعاني ، والجامع ، أن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه ، سئل عن التفضيل بين الصحابي الذي لم يفتح عليه والقطب من غير الصحابة ، فأجاب رضي الله عنه : والراجح ، تفضيل الصحابي على القطب ، بشاهد قوله صلى الله عليه وسلم : « إن الله اصطفى أصحابي على سائر العالمين ، سوى النبيين والمرسلين » وبقوله صلى الله عليه وسلم : « لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » اهـ . 
وقال بهز بن حكيم عن أبيه عن سيده عن النبي صلى الله عليه وسلم: « أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل ». 
وروى البزار في مسنده بسند رجاله موثقون ، من حديث سعيد بن المسيب ، عن جابر قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن الله اختار أصحابي على الثقلين ، سوى النبيين والمرسلين ».وهذا الحديث يعين أن للصحابة رضوان الله عليهم ، فضلا خاصا لا يلحقهم معه ذو فضل رمزية من غيرهم . أما غيرهم من التابعين، فمن حيث المجموع هم خير القرون، وأما من حيث الأفراد فليس في ذلك نص ولا إجماع.وحيث إن المسألة خلافية، فلا إثم على من جوز أن يكون فرد أو أفراد خيرا من غيرهم من غير الصحابة، رضوان الله عليهم . 
وعلى هذا، فكلام الشيخ رضي الله عنه، يوكل إلى الله تبارك وتعالى. فإن كان الواقع أن الله  قد استجاب دعاءه له ولأصحابه ، أن يبلغهم الله من المعرفة ما يجعلهم يلون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في المعرفة بالله عز وجل والتحقق بالمعارف الخاصة والفضائل ، والموت على أعلى مرتبة من التوحيد الخالص الأسمى – فكلامه على ظاهره . وإن كان الواقع غير ذلك ، فكلامه رضي الله عنه مؤول بأن لهم مزية خاصة يفوتون فيها غيرهم ، ولغيرهم مزايا أخرى . ولا ضير في ذلك. وقد قيد كلامه رضي الله عنه كله، فيما يتكلم به في هذه الطريق بقوله: كل ما قلته لكم هو حق واقع إن سلمنا من مكر الله عز وجل وغير ذلك. وكل ما ورد من هذا القبيل، محمول على الرجاء. ولا يصح القطع به إلا لمن ورد له بطريق ثابت كالكشف الصريح الصحيح.وإن ظننا في الله حسن، أن يتحقق كلام أهل المعرفة بالله كلهم. 
ولنذكر هنا صفات أصحاب الشيخ رضي الله عنه، فإن كثيرين لا يعلمون ما يشترط في أصحابه:             
قال سيدي عمر بن سعيد الفوتي خليفة الشيخ رضي الله عنه ، وهو من خواص هذه الطريق ، الذين بلغوا فيها المعرفة الكاملة : إعلم أن شروط طريقتنا هذه ثلاث وعشرون شرطا . فمن استكملنا كليها ولم يتخلف عنه واحد منها ، فهو من أهل هذه الطريقة الفائزين المحبوبين المقربين الأعلين . ومن لم يستكملها واستكمل إحدى وعشرين شرطا من الشروط التي أعدها على الترتيب الذي ستراه، فهو من الرابحين المحبوبين، وإن لم يساو الأولين.ومن لم يستكملها فليس من أهل الطريقة، ومن ذلك دوام المحافظة على الصلوات الخمس، وفي الجماعة إن أمكن. وقال في أول الرسائل ، قال سيدي أحمد بن محمد التجاني : وشرطه المحافظة على الصلوات في الجماعة ، والأمور الشرعية ويندرج في ذلك المحافظة على الواجبات ، علما وعملا واعتقادا ، وترك المحرمات كذلك. 
وعلى هذا ، فمن مات مرتكبا أي معصية كانت ، ولم يتب إلى الله وعز جل منها ، فليس بتجاني ، فلا يعتبر من أصحابه رضي الله تبارك وتعالى عنه . ولذلك قال رضي عنه : إن أصحابه لا يموتون  إلا في المرتبة العليا من الولاية. ولا يخفى على من له معرفة بأحوال السير إلى الله عز وجل ، أن مقام التوبة هو أول مقامات السير إلى الله ، فمن أخل به ، فليس من الولاية ولا من الطريقة في شيء ودوام البعد عن المعصية يحصل بالتوبة الصحيحة بعدها ، لمن وقعت منه ، والعبد غير معصوم . قال الله تعالى:{ إن الله يحب التوابين ويجب المتطهرين } 
وفي منية المريد : 
فليس يلازم له التجديد          ومن عليه كتب المجيد                    
فعليه أن يتوب، ويبادر بالرجوع إلى الله عز وجل-  و يحفَظ الله من يشاء ،والحفظ غير العصمة.وكل من تقيد بعهد الشيخ ، وصدق في محبته ، فمحبته له تؤهله إلى الوصول إلى المرتبة . ثم يتحقق بها . وما أمر الشارع بمحبة الصالحين عبثا. 
وهذه المزية، قد أثبتها الأولياء، لأصحاب المشايخ الصادقين جميعا رضي الله عنهم ولا حرج على فضل الله عز وجل.          
وذكر العارف الصاوي ، في تفسير قوله تعالى : « الذين آمنوا واتبعهم ذريتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذريتهم ، وما ألتفاهم من عملهم من شيء » ، أن أصحاب الأشياخ يلحقون بهم بمحض الفضل الإلهي .وقد كوشف رضي الله عنه ، باستجابة الله له في أصحابه . وكشف الكمل صحيح لاتصاله بالحضرة المقدسة . وهذا كله في دائرة الإمكان. 
فالمراد أن الأمر ينتهي بهم إلى التوبة الكاملة. بل إلى ما هو أعلى منها. غير أن منهم السابق في الوصول إلى ذلك المقام، ومنهم اللاحق. إذ الكل مراد، ببركة محبة الشيخ وصحبته. وقد لاح – حتى على العوام من أصحابه -عند موتهم. علامات ملاقاة المصطفى صلى الله عليه وسلم. وسمو ذلك معلوم . وقد توار تحقق وعود الشيخ في أصحابه. وقام المرء يعتبر بحسب خاتمته . قال صلى الله عليه و سلم عنه « إنما الأعمال بخواتيمها ». 
وفي كشف الحجاب ، عن سيدي الحاج عبد الوهاب الأحمر ، رحمه الله ، أن بعض عبيد سيدنا رضي الله عنه ، حدث له مرض شديد ، ولما احتضر صار يتكلم بكلام متهور ، ولسانه لا يطاوعه على النطق بالشهادة إذا لقنوها له ، فصار الإخوان يسألون الله اللطف مما رأوا منه . وقال بعضهم لبعض : كيف يقع هذا بخديم سيدنا رضي الله عنه. وسيدنا في قيد الحياة . ثم إنهم اجتمعوا بسيدنا رضي الله عنه، وأخبروه بالقضية. فقال لهم رضي الله عنه : سلوا زوجته عما كان يفعل . فقالت إنه كان كذا وكذا ، ووصفته بأوصاف حسنة من الديانة والحزم الشديد في طاعة ربه ، غير أنه كان يستعمل تابغة ـ التبغ هو المعروف بالدخان والتنباك سواء كان شما أو شربا أو مضغا ـ فقال لهم سيدنا رضي الله عنه : من استعمال هذه العشبة الخبيثة أصيب ، فاذهبوا إليه وقولوا له يتوب إلى  الله . فلما ذهبوا إليه ، وقالوا له ذلك ، تاب إلى الله تعالى . فبمجرد توبته تعلق بالشهادة وخرجت روحه رحمه الله تعالى اهـ . 
فما دامت العواقب مجهولة، فلا يصح الاتكال على بشارات العارفين، ولا على حال ولا مقام ولا نسبة.فأصحابه رضي الله عنه، وهم القائمون بحدود الله، المتمسكون بشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم،الذين جذبتهم يد العناية حتى أحلتهم في مقعد صدق في حضرة القدس. فمن ختم الله له بذلك فهو من أصحابه، ومن لا فلا.ولا خلاف أن تمسك بالشريعة هذا التمسك، في هذا الزمن، فلا أقل من أن تكون له هذه المزية.

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي