فضائل الذكر

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

اعلم رحمك الله أن الذكر أشرف العبادات لأن سائر العبادات تنقضي بانقضاء الدنيا إلا ذكر الله تعالى. 
جاء في لوامع الأنوار لشهاب الدين العسقلاني رضي الله عنه :” أنهم يعني أهل الجنة مداومون على الذكر فيها ، لأن سائر العبادات تنقضي بانقضاء الدنيا إلا ذكر الله تعالى فإنه لا ينقضي بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة… ” و قد روي أن أهل الجنة يلهمون الحمد و التسبيح كما يلهمون النفس، يقولون سبحان الله و الحمد لله متلذذين لا متعبدين كما يتلذذ من به العطش بالماء البارد.
و قال الإمام فخر الدين الرازي في أسرار التنزيل :” اعلم أن جميع الطاعات تزول يوم القيامة ، أما طاعة التهليل و التحميد فلا تزول عن المؤمن ، و كيف يمكن زوالها عنه و القرآن يدل على أنهم مواظبون على الحمد ، و المواظبة على الحمد توجب المواظبة على الذكر و التوحيد  لقوله تعالى حكاية عن المؤمنين في الجنة { الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن}فاطر. و قالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وقال{دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ و تحيّتهم فيها سلام}يونس. لا إله إلا هو له الحمد في الأولى و الآخرة، فثبت أنهم مواظبون على الحمد، و المواظبة على الحمد مواظبة على الذكر، و من هذا فإن جميع العبادات زائلة عن أهل الجنة إلا طاعة الذكر.

و إذا تقرر هذا ، فاعلم أن الذكر سبب السعادة في الدنيا و الآخرة ، و مطردة للشيطان و يرضي الرب و يجلب الرزق و ييسره ، و يكسوا الذاكر مهابة و يورث محبة الله تعالى و مراقبته ، و يورث الإنابة و القرب من الرب و يفتح باب المغفرة  و يورث العبد إجلالا لربه ، و يورث ذكر الله تعالى للعبد ، و به تحيا القلوب كما يحيا الزرع بالمطر ، وهو قوت الأرواح و جلاء القلب من الصدأ، و يورث النور في الفكر و يحط الذنوب و يزيل الوحشة بين العبد و ربه ،…وهو للعبد سبب لنزول السكينة عليه و حفوف الملائكة به و نزولها لديه و غشيان الرحمة ، وهو للإنسان شاغل عن الغيبة و الكذب و كل باطل ، و الذاكر لا يشقى به جليسه و مجلسه لا يكون عليه حسرة يوم القيامة ، والذكر مع البكاء سبب لنيل ظل العرش الظليل ، و من شغله ذكر الله عن المسألة أعطي أفضل ما يعطى السائلون ، وهو غراس الجنان و سبب العتق من للنيران و الأمان من النسيان ، وهو نور للعبد في دنياه و قبره و نشره وهو منشور الولاية ، وهو يرقي العبد إذا رسخ في القلب و يجمع على الذاكر قلبه ، و يقرب من قلبه الآخرة و يبعد عنه الدنيا ، و يثمر المعرفة و الولاية و التوفيق و الحماية ، و يعدل عتق الرقاب و الجهاد و القتل في سبيل الله و إنفاق الورق و الذهب ، وهو رأس الشكر و يدخل الجنة و يذهب من القلب القساوة ، و الذكر شفاء للقلوب ، وهو أصل موالاة الله تعالى كما أن الغفلة أصل معاداته ، وهو رافع للنقم و جالب للنعم و موجب لصلاة الله و ملائكته عليك ، و مجالس الذكر رياض الجنة و يباهي الله ملائكته بالذاكرين في السماء ، وهو ينوب عن سائر الأعمال و يقوي الجوارح و يفتح مغلق الأبواب ، وهو أمن و نجاة و سيف ، و الذكر سد بين العبد و بين النار ، و نار لا تبقي ما نبت من فضول الحرام و يثبت الأنوار في القلوب ، و الملائكة يستغفرون للعبد إذا لازم الذكر و الجبال تتباهى به إذا مر بها ، وهو شيمة المؤمن و له لذة أجل من لذة المطعومات و المشروبات ، ووجه الذاكر يكسى في الدنيا نورا و في الآخرة يكون أشد بياضا من القمر ، وهو يرفع إلى أعلى الدرجات  ، و الذاكر حي و إن مات و الغافل ميت و إن كان حيا ، و يورث الري من العطش حين الموت .

     
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً وسَبِّحُوه بكرةً وأصيلاً} الأحزاب
وقال {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}البقرة
وقال تعالى {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} الرعد
و قال { اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون } الجمعة 
وقال أيضاً: {والذاكرين الله كثيراً والذاكراتِ أعدّ اللهُ لهُم مغفرة وأجراً عظيماً}الأحزاب
إلى غير ذلك من الآيات .

روى البخاري و مسلم عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال : ” ألا أُنبئكم بخير أعمالكم، وأزْكاها عند مليكِكم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِق [الورق: الفضة]، وخيرٍ لكم من أن تلْقَوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى. قال: ذكرُ الله تعالى “
و روى ابن حبان و الإمام أحمد على و الحاكم و قال صحيح الإسناد مرفوعا :” أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون “
و روى ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه مرفوعا : أن الله عز و جل قال : ” أنا مع عبدي إذا هو ذكرني و تحركت بي شفتاه ” 
وروى الترمذي و ابن حبان و ابن ماجة و قال صحيح الإسناد أن رجلا قال :” يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتثبت به قال :” لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ” و روى ابن أبي الدنيا و الطبراني و البزار عن معاذ بن جبل قال : ” آخر كلام فارقت عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم  أن قلت : أي الأعمال أحب إلى الله قال :” أن تموت و لسانك رطب من ذكر الله “.
و روى البخاري و مسلم مرفوعا:” مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربَّهُ مثل الحي والميت” و لفظ مسلم الذي يذكر الله تعالى.
و روى الطبراني و البيهقي مرسلا :” اذكروا الله تعالى ذكرا حتى يقول المنافقون أنكم مراؤون”.
و روى ابن أبي الدنيا مرفوعا :” ما من يوم وليلة إلا لله عز و جل فيه صدقة يمنّ بها على من يشاء من عباده و ما منّ الله تعالى على عبده بأفضل من أن يلهمه ذكره”. 
و روى الإمام أحمد و الطبراني أن رجلا قال : يا رسول الله أي المجاهدين أفضل و أعظم أجرا ؟ قال :” أكثرهم لله تعالى و تبارك ذكرا “ثم ذكر الصلاة و الزكاة و الحج و الصدقة كل ذلك و رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول :” أكثرهم لله تعالى و تبارك ذكرا” فقال أبو بكر لعمر : يا أبا حفص ذهب الذاكرون بكل خير، قال صلى الله عليه و سلم “أجل” 
و روى الطبراني و البيهقي بإسناد جيد مرفوعا :” ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت عليهم و لم يذكروا الله تعالى فيها “
و روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل أي العباد أفضل و أرفع درجة عند الله تعالى يوم القيامة ؟ قال:” الذاكرين لله كثيرا” قيل و من الغازي في سبيل الله ؟ قال:” لو ضرب بسيفه حتى ينكسر و يتخضب دما فإن ذاكر الله أفضل منه درجة”.

 

وفي لواقح الأنوار القدسية : سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول : “ماثم كرامة للعبد أفضل من ذكر الله تعالى لأنه يصير جليسا للحق كلما ذكره ، و قد اختلى مريد سنة كاملة فما رأى نفسه وقعت لها كرامة فذكر ذلك لشيخه فقال : أتريد كرامة أعظم من مجالسة الله تعالى .. ما رأيت أكثر حجابا منك ، لك في الكرامة العظمى سنة كاملة و لا تشعر بها.”
قال القشيري :” الذكر ركن قوي في طريق الحق بل هو العمدة في ذلك ، ولا يصل أحد إلى الله تعالى إلا بدوام الذكر ، و ذكر اللسان يصل به العبد إلى ذكر القلب ، فإذا كان العبد ذاكرا بلسانه و قلبه فهو الكامل في حال سلوكه .”
و قال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى : “الذكر منشور الولاية ، فمن وُفِّق للذكر فقد أعطي المنشور و من سلب الذكر عزل، و ذكر الله تعالى بالقلب سيف المريدين يقاتلون به أعداءهم ، و به يدفعون الآفات التي  تقصدهم .”
و قال ذو النون المصري:” من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسي في جنبه كل شيء و حفظ الله تعالى عليه كل شيء و كان له عوضا عن كل شيء.”
 وقال الشبلي رحمه الله تعالى:” أليس الله تعالى يقول أنا جليس من ذكرني ،.. ما من وقت من الأوقات إلا و العبد مأمور ، بذكر الله تعالى فيه إما فرضا أو نفلا ، و الصلاة و إن كانت أشرف العبادات فلا تجوز في بعض الأوقات والذكر بالقلب مستدام في عموم الحالات ، قال الله تعالى :{ الذين يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم }آل عمران، و من خصائص الذكر أنه جُعِل في مقابلة الذكر، قال تعالى { فاذكروني أذكركم }البقرة  
و روى السهروردي بسنده : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حاكيا عن ربه : ” إذا كان الغالب على عبدي الإشتغال بي جعلت همه و لذته في ذكري ، فإذا جعلت همه و لذته في ذكري عشقني و عشقته و رفعت فيما بيني و بينه لا يسهو إذا سهى الناس أولائك كلامهم كلام الأنبياء أولائك الأبطال الأبدال حقا أولائك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبة أو عذابا ذكرتهم فصرفته به عنهم “
قال القشيري جاء في الإنجيل :” اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب وارض بنصرتي لك فإن نصرتي لك خير من نصرتك لنفسك.”
و قيل : إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرع كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان فتجتمع عليه الشياطين فتقول :” ما لهذا؟” فيقال:” صرعه الإنسان”، و رأى الجنيد إبليس في المنام فقال له هل تقدر أن تمر على مجالس الذكر فقال : كما أن أحدا منا يمر على أحد منكم و يمسه و يصير مجنونا و مصروعا ، فمنا من يمر على مجلس الذكر فيصير مصروعا و نسميه بيننا مأنوسا كما تسمون المصروع بينكم مجنونا.”
و قال سيدي إبراهيم المتبولي :” الذكر أسرع في الفتح من سائر العبادات.”

 

فإذا أكثر العبد ذكر ربه باللسان حصل له الحضور ، و إذا حصل له أكثر الذكر مع الحضور صار الحق مشهوده ، وهناك يستغني عن ذكر اللسان فلا يذكر باللسان إلا في محل يُقتدى به فيه لا غير ، لأن حضرة الحق سبحانه حضرة بهت و خرس يستغني صاحبها في الجمعية بالمدلول ، و إلى هذا الذكر أشار في ياقوتة الحقائق.”
قال شيخنا رضي الله عنه و هذا الذكر ليس هو ذكر اللسان المعهود في حق العامة ، و إنما هو الذكر الحقيقي الذي هو الغاية القصوى من الذكر ، وهو إذا أخذ العبد فيه أُخِذ عن جميع دائرة حسه ووهمه، فليس في شعوره ووهمه إلا الله تعالى في حالة الذكر ، وهو بداية الذكر للمقربين ، و نهايته أن يستهلك العبد في عين الجمع و يغرق في بحر التوحيد… و هذه نهاية مراتب الذكر ، ولذا جعله الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز هو آخر المراتب قال سبحانه و تعالى : { إن المسلمين و المسلمات و المؤمنين و المؤمنات} إلى قوله { و الذاكرين الله كثيرا و الذاكرات } فتلك الآية رتب فيها سبحانه و تعالى مراتب أهل الإيمان ، فالتي بعد الأخرى هي أعلى منها ، و ذَكَرَ الذاكر في آخرها لأنها ليس مرتبة بعدها.

 ” الرماح” لسيدي عمر الفوتي

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي