مولاي محمد بن أبي النصر العلوي رضى الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

هو الولي الكبير والعارف الشهير، صاحب الكرامات المأثورة في الأقطار والمقامات العالية المقدار، المشهور بالصلاح الكامل عند كل عالم وجاهل، الشريف الجليل سيدنا ومولانا محمد بن أبي النصر العلوي الفاسي منشأ وقرارا، العلوي السجلماسي أصلا. 
هذا السيد رضي الله عنه كان من أكابر العارفين وخاصة الخاصة المقربين، وهو أحد العشرة الذين ضمن لهم النبي صلى الله عليه وسلم المعرفة بالله والفتح الكبير، كما أخبر بذلك سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه. 
وهو أحد الخاصة الذين طالت صحبتهم لسيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه، ومع طول صحبته له لم يفارقه لا ليلا ولا نهارا إلا في بعض الأوقات الضرورية. ما فاتته فريضة قط خلف مولانا الشيخ رضي الله عنه نحو ستة عشر عاما، وشاهد من كراماته التي أجراها الله عليه يده ما لا يحصى.
ويروي مولاي محمد بأنه في أول أمره لم يصاحب سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه إلا على كرشه، يعني ما صاحبه إلا لكثرة الطعام عنده، وكان هو في ذلك الوقت يحب ذلك فكان سيدنا رضي الله عنه يعطيه فوق ما يظن من ذلك إلى أن تمكن حبه في قلبه وفتح الله عليه في الطريق بالمحبة في سيدنا رضي الله عنه، فحينئذ قوى اعتقاده في جناب سيدنا رضي الله عنه، فنال ما نال وبلغ في الطريق ما بلغ من الخلافة والتصريف التام. 

وكان رضي الله عنه تأخذه أحوال عجيبة يعرفها فيه الخاص والعام على طريقة الملامتية، تسترا لأسراره رضي الله عنه. وهكذا غالبا أحوال كل من فتح عليه من أصحاب هذه الطريقة. 
ومن أحوال صاحب الترجمة أنه كان خارجا مع العلامة سيدي محمد إكنسوس لوادي فاس، فمرا على أحد أبواب فاس فوقفا بباب حانوت إنسان يبيع الفاكهة، فقال صاحب الترجمة لصاحب الحانوت: “بكم ذاك الجوز وذاك التمر؟” وأشار إلى شيء وراءه فالتفت ليرى ليناوله منه، فصار صاحب الترجمة يأخذ مما يليه من غير علم صاحب الحانوت ويجعل منه في جيبه، وكاد الفقيه المذكور معه أن يذوب حياء، مع علمه أنه لا يفعل ذلك إلا لأمر رباني. 
ثم ترك صاحب الترجمة صاحب الحانوت بعد أن أظهر له انه لم يصلح له ما أشار إليه، فلما خرجا عن الباب سأله الفقيه سيدي محمد اكنسوس عن ذلك الفعل. 
فقال له: يقول الله تعالى “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم” الآية. قال الفقيه المذكور: “فعلمت أن صاحب الحانوت لم يكن يخرج الزكاة، أو أخذ منه ذلك لدفع بلاء كان نازلا به، كما يفعل كثير من الأولياء رضي الله عنهم، أو غير ذلك مما يقتضيه حال هذا العارف رضي الله عنه”. 
ويروي سيدنا العارف بربه مولانا الطاهر أنه رأى يوما والده صاحب الترجمة رضي الله عنه، جاعلا يده في سنداس مطهرة ينقيها. فقال له: يا أبت ما هذا؟ فقال له يا بني: إن نفسي كادت أن تهلكني بما تسوله لي وذلك أنها قالت: “أنت ابن بيت كبير من بيوت المملكة ولك أملاك وأصول وتلاقيت مع القطب المكتوم فأنت كذا وكذا” 
ففعلت هذا الأمر لأقهرها بهذا وأقابلها بنقيض قصدها. 
ومما رواه أيضا عن والده رضي الله عنه، أنه سأل سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه عن حال العارف بالله ومعرفته. 
فأجابه: “بأن العارف مثل البهيمة التي لا جلد لها كل ما نزل بها يؤلمها وتحس به” 
ومما حدث به سيدي أحمد العبدلاوي رضي الله عنه، أنه لما كان عازما على زيارة سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه بفاس انطلاقا من عين ماضي سنة 1259هـ، وفي هذه السنة طمع العدو في الاستيلاء على عين ماضي ونواحيها. 
قال: (أي سيدي أحمد العبدلاوي) فحصل لي اهتمام بهذا الأمر وضاق لي منه الصدر” 
ولما كان عازما على السفر أوصاه ابن سيدنا رضي الله عنه سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه بوصيته، وقال له من جملتها: “إذا وصلت إلى مدينة فاس، فسأل من رأيته فيها من أهل الكشف عن هذا البلاء الملم، فإن فاس لا تخلو من الأولياء أبدا”. 
قال سيدي أحمد العبدلاوي: “فلما وصلت لفاس واجتمعت فيها ببعض الإخوان في الطريقة سألتهم هل يعرفون أحدا صحيح الكشف من المفتوح عليهم في هذا البلد.” قال:” فقال لي الفقيه السيد العباس الشرابي أحد الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه إننا نسمع بفلان وسمى لي بعض أهل نوات ممن يشار له بذلك في ذلك الوقت. “
قال فقلت له:” اذهب بنا إليه لنعلم حاله ويخبرنا بشيء أمرني سيدنا الحبيب رضي الله عنه بالسؤال عنه”. 
فقال (أي الفقيه العباس الشرابي): “كيف نذهب إليه ونحن تجانيون؟” فقلت:” لا بأس بهذا لأننا لم نقصد الزيارة وإنما قصدنا ما ذكر.”
قال: فذهبنا إليه واجتمعنا به، وبمجرد وصولنا إليه قال لي ذلك التواتي:” اشتر لبهيمتي علفا” فقلت له:” على الرأس والعين”، ودفعت لبعض الخدام شيئا من الدراهم ليشتري له ذلك، ثم إني سألته عما في باطني فلم يفصح لي عن المقصود، وعلمت أن ذلك الرجل ما عنده شيء من مطلبي، فخرجت من عنده ونفسي تكاد أن تنفطر من شدة ما حصل لي من الاهتمام بذلك. 
قال:” فذهبت إلى ضريح سيدنا رضي الله عنه وسألت الله بجاهه أن يهب لي من يكشف عن هذا الكرب الذي شغل به قلبي.”
قال: “وكان اليوم يوم خميس فذهبت إلى السوق لأفرج عني، وعند رجوعي وجدت بباب البلد الشريف الجليل مولاي محمد بن ابي النصر (يعني صاحب الترجمة). “
قال:” ولم أكن أعرفه في ذلك الوقت ولا اجتمعت معه. “
فلما رآني أتى إلي وأخذ بيدي وصار يسألني عن سيدي محمد الحبيب رضي الله عنه، وعن أحواله وأحوال دار سيدنا رضي الله عنه بعين ماضي، وحينئذ عرفته وتوسعت معه في الكلام وسألته هل يعرف أحدا من أهل الكشف الصريح لأسأله عما في باطني مما حملته من سيدنا الحبيب رضي الله عنه. 
فقال لي: “إني أعرف واحدا وسأجمعك به وأنت ضيفي الليلة”، قال: “فذهبت معه لداره وبت عنده تلك الليلة، ورأيت من أحواله أمورا خارقة للعادة، وعند خروجي من داره قال لي رضي الله عنه :”لابد أن تأتي مرة أخرى حتى أجمعك مع من تريد. “.”
قال:” ثم إني أتيت بعد ذلك وعزمت على أن أطلب منه تعجيل الاجتماع مع ذلك المكاشف، لما يتلجلج في خاطري من ذلك الأمر. “
فلما دخلت لبيته قابلني بمزيد ترحيب وإكرام وبادرني بالكلام في ذلك. وقال لي: “ما مقصودك بالاجتماع بصاحب الكشف”.
فقلت: “لا أخبرك بذلك إلا بعد أن اجتمع به ويخبرنا هو بحقيقة الأمر، ليطمئن بالي ولا يتشوش خاطري ولا يدخلني ريب فيما يخبرني به. “
فقال لي: “وهل تقنع إذا أخبرتك أنا بذلك”.
فقلت له: ” هذا عندي من أحسن ما يكون وهو عندي غاية المنى والسول”.
قال لي: “تسألني عن دار الشيخ من أمر العدو”.
فقلت له: “نعم، وبقي لي شيء آخر”. 
فقال لي: “تسألني عن سيدنا الحبيب رضي الله عنه يكون له ولد ذكر أولا؟”. 
فقلت له: “نعم”.
فأجابني رضي الله عنه أما دار سيدنا رضي الله عنه فلا بأس عليها بل تبقى معظمة لا تنتهك لها حرمة، وأما سيدنا الحبيب فلا يخرج من هذه الدنيا حتى يكون له أولاد يكون من أمرهم ما يكون، وهذا جواب ما سألت عنه”. 
فلما رأيته أخبرني بما أضمرته حقا وصدقا، أضمرت في نفسي شيئين آخرين، وقلت له: يا سيدي بقي لي شيء آخر”.
فقال لي رضي الله عنه: “تسألني عن بنات أولاد الشيخ رضي الله عنه”. 
فقلت له: “نعم” وذلك أني قلت في نفسي إن سيدنا الحبيب رضي الله عنه لا يحب مصاهرة أهل عين ماضي، والبنات قد كبرن، فيا ترى ما يكون من شأنهن، ويا ترى كيف حالتي مع ابن سيدنا رضي الله عنه، وكيف أخرج معه في هذه الدنيا. 
فأجابني رضي الله عنه: “إنهن سيتزوجن عن قريب”، ثم قال: “وتسألني عن حالك مع ولد الشيخ رضي الله عنه”. قلت له:” نعم وهي الأخيرة. “
فقال لي رضي الله عنه: “إنك ستخرج معه على خير ولا بأس عليك” فحمدت الله تعالى على هذه البشارة من هذا السيد الجليل رضي الله عنه وشكرت الله على أن قيض لي من خاصة أوليائه من يخبرني عما كنت مشوشا من جهته.
ثم قال لي بعد ذلك: “اكتم سرك ولا تترك مجيئك إلي وإذا رجعت بالسلامة لعين ماضي فسلم مني على ابن سيدنا رضي الله عنه”.
ثم إني صرت أتردد إليه ولازمته رضي الله عنه ورأيت من كراماته ما يبهر العقول إلى أن توفي رضي الله عنه. 
ومما وقع لصاحب الترجمة مع سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه من المناقب ما هو مشهور بين الخاصة نذكر هذه: 
في أحد الأيام مولاي محمد بن أبي النصر العلوي رضي الله عنه، قدم للزاوية المباركة على عادته للاجتماع بسيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه: ولم يجده فيها، فسأل عنه أين هو فقيل له: “إنه خرج لواد سبو، وأوصى ألا يخرج معه أحد” وقال في نفسه: “والله لابد أن أذهب إليه”. وخرج على باب البلد حتى لحق بسيدنا رضي الله عنه بقنطرة الوادي المالح، فلما رآه سيدنا رضي الله عنه قال له: “ألم يقل لك أحد إني نهيت عن الخروج معي في هذه الساعة؟” فقال له: “يا سيدي إن الشوق أزعجني إلى الاجتماع بك ولم أطق صبرا حتى رأيتك” فصار مع سيدنا رضي الله عنه وحصل له انبساط لم يعهد مثله منه، وقال صاحب الترجمة في نفسه: “لابد أن أسأل الشيخ في هذا الوقت عن الاسم الأعظم لكوني مختليا معه ولانبساطه معي.” ثم إنه لم يشعر بنفسه حتى سأله من سيدنا رضي الله عنه، فلما طلبه منه تغيرت أحوال سيدنا رضي الله عنه معه ونهض فيه وصار يوبخه على سؤاله له، فلما رأى صاحب الترجمة أنه أساء الأدب مع سيدنا رضي الله عنه ندم غاية الندم، وصار يعتذر إليه وأنه لم يقصد بطلب معرفته إلا وجه الله تعالى لا لغرض من الأغراض وحصل له من الحياء ما الله أعلم به. 
فبينما هو على هذه الحالة ذاهب معه إذ نظر إلى فرس سيدنا رضي الله عنه كلما رفعت رجلا تركت حافرها صفيحة من الذهب على الأرض وهي سائرة فتعجب من ذلك، وأخذ صفيحة وصار يتأملها ثم طرحها بعد أن تيقن أنها ذهب، وقال في نفسه إن الشيخ أراد اختباري فتشبث بركاب فرسه وصار يتملق بين يديه ويقول له: “يا سيدي لا جعل الله حظي منك الدنيا، فبالله عليك لا تؤاخذني بقولي”.
فحين إذ رجع سيدنا رضي الله عنه معه إلى حالته الأولى ودعا له بالخير، وصار ملحوظا عنده ولقنه الاسم الشريف. 
وكان صاحب الترجمة كثير الانبساط مع سيدنا رضي الله عنه، وقد آتاه مرة وقال: “يا سيدي إن علي ديونا وقد حل أجلها وأخاف على نفسي إذا رفعت إلى الحاكم أن أسجن، فنطلب منك يا سيدي أن تفك رقبتي”. وقد كان الدين الذي عليه نحو مائة مثقال وعشرة مثاقيل، فلقنه سيدنا رضي الله عنه ذكرا يذكره عددا محصورا، وقال له: “إن الخديم سيأتيك بما فيه الكفاية ولا تعد إلى مثل هذا”. فلما لقنه الشيخ رضي الله عنه ذلك الذكر بذلك الإذن الخاص أحس بحرارة عظيمة مع التهاب شديد في حلقه من شدة العطش لاسيما عند الذكر، إلى أن أداه الحال أن صار يشرب ماء خارجا عن المعتاد في حالة ذكره، فلما فرغ من ذكره وجد تحت السجادة التي يذكر عليها ألف مثقال وزيادة، فأخذ ذلك وخلص ديونه وفرج الله عنه شجونه ببركة سيدنا رضي الله عنه. 
وكان استغراق محبة صاحب الترجمة في سيدنا رضي الله عنه يضرب بها المثل، ويذكر أنه قال: “والله ما تحقق الشرف عندي (أي أن نسبه متصل إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) إلا بإخبار سيدنا رضي الله عنه”. وذلك أنه كان مارا معه على الروضة التي دفن فيها والده رحمه الله، فقال لسيدنا رضي الله عنه: “يا سيدي ادع الله لوالدي فإنه بهذه الروضة، فالتفت إليه سيدنا رضي الله عنه وقال له أبوك شريف لا بأس عليه”. 
وكان الخاصة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه يصفون صاحب الترجمة بالخلافة الكبرى والوساطة العظمى، في وصول الممد للمريدين من حضرة سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه، بعد وفاة الخليفة الأعظم سيدي الحاج علي حرازم برادة رضي الله عنه.
وحدث أنه دخل يوما للزاوية المباركة فوجد فيها جماعة من أصحاب سيدنا رضي الله عنه يتكلمون في وراثة الشيخ رضي الله عنه، وفي مرتبة بعض الأكابر من أصحابه رضي الله عنهم، فقال لهم متحدثا بنعمة الله عليه بعد أن حصل له حال من الأحوال التي تعتريه: “مشى سيدي الحاج علي وخلاني ندكدك في البساط وحدي”. 
إن فضائل صاحب الترجمة ومناقبه التي خص بها لا يفي بها استقصاء، ولقد تلقى عن سيدنا رضي الله عنه من الأسرار والمعارف ما لا يحصى، وفي كناش العلامة سيدي محمد الحبيب الداودي أسرار عظيمة تلقاها صاحب الترجمة عن سيدنا رضي الله عنه، وبعض هذه الأسرار مدرجة كذلك في كتاب “نيل الأماني في الطب الروحاني والجسماني” المروي عن الشيخ التجاني رضي الله عنه وصحبه ذوي القرب والتداني.
توفي سيدي محمد بن أبي النصر العلوي في شوال سنة 1273، ودفن بروضة سيدي التواتي المجاورة لروضة الجلالية من طالعة فاس.
وقد ورثه في بعض أحواله ولده المبارك الجليل مولانا الطاهر رضي الله عنه. ومن عجيب أحواله أنه تحصل له غيبة في كل شهر تزيد على الجمعة والجمعتين، ويبقى نائما في هذه المدة ولا يأكل ولا يشرب، ثم يستيقظ وعليه حال كبير، ثم يرجع شيئا فشيئا إلى أن يغيب مرة أخرى. 
ولو تتبعنا كراماته لأدى بنا الحال للطول وفي هذا كفاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي