صلاة الفاتح

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

صلاة الفاتح: الياقوتة الفريدة

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الفاتِحِ لِمَا أُغْلِقَ و الخاتِمِ لِمَا سَبَقَ نَاصِرِ الحَقِّ بِالحَقَِ و الهَادِي إلى صِرَاطِكَ المُسْتَقِيمِ و عَلَى آلِهِ حَقَّ قَدْرِهِ و مِقْدَارِهِ العَظِيمِ

 

صلاة الفاتح لما أغلق أو الياقوتة الفريدة كما سماها بذلك شيخنا رضي الله عنه ، هي  مع صلاة جوهرة الكمال ، من الأسرار التي يتلقاها الكمّل العارفون الكبار في مقاماتهم الخاصة الشهودية  سواء من الحضرة القدسية أو من الحضرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة و السلام ، و الكل من الثابت المعروف عند أربابه ، و من الحق المعمول به في بابه .
و من المقرر عند العلماء الأعلام أنه يعمل بجميع ما يتلقاه العارفون من الرسول صلى الله عليه و سلم سواء في اليقظة أو في المنام ، ما لم يصادم شيئا من النصوص القطعية أو يؤدي إلى انخرام قاعدة شرعية ، و القاعدة الشرعية في هذا الباب حسبما ذكره الشيخ جلال الدين السيوطي رضي الله عنه في فتاويه أنه ليس لأحد أن يحكم على ذكر أو دعاء لم يرد بمقدار معين من الأجر ، لأن ذلك مرجعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد عُلم أن اخباراته صلى الله عليه و سلم على قسمين :
قسم عام : وهو ما أُمِر صلى الله عليه و سلم أن يخاطب به عامة الناس ، كتشريع الشرائع و تحديد الأحكام وتبيين الفرض من النفل و الحلال و الحرام ، و هذا القسم انقطع بوفاته صلى الله عليه و سلم .
و قسم خاص: وهو ما أُمِر صلى الله عليه و سلم ألا يخاطب به إلا الخواص، و هذا لم ينقطع بوفاته صلى الله عليه و سلم، فلا يزال يلقيه إلى آخر الدهر لمن أهله الله لذلك. 
قال سيدنا رضي الله عنه :” ومن توهم أنه صلى الله عليه و سلم انقطع جميع مدده عن أمته كسائر الأموات فقد جهل رتبة النبي صلى الله عليه و سلم و أساء الأدب معه .”
و جميع ما هو مذكور عن شيخنا رضي الله عنه مما تلقاه من الحضرة المحمدية في فضل هاتين الصلاتين ليس فيه مصادمة للنصوص القطعية ، و ليس فيه ما يؤدي إلى انخرام القواعد الشرعية ، إذ غايته أنه إخبار عدل عنه صلى الله عليه و سلم ، بذكر غير خارج عن معنى ما أتى به ، و لا منحرف عن أصول دينه القويم ، و بتضعيف الأجر الثابت أصله في الكتاب و السنة { و الله يضاعف لمن يشاء} البقرة. و في الحديث ” بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة “

 

يقول صاحب البغية في شرح قول ناظم المنية :
أما صلاة الفاتح الحسنى التي                  يدعون بالياقوتة الفريدة
ففضلها على  مراتب  انقسم                   و جلها عن الخلاق انكتم

وصف ( صلاة الفاتح ) بالحسنى لما اشتملت عليه من وجوه الحسنى الحسية و المعنوية التي لا تكاد تنحصر .
و قوله ( التي يدعون بالياقوتة الفريدة ) فإن الشيخ رضي الله عنه هو الذي سماها بذلك ، ووجه التسمية في غاية الوضوح ، و مراتب الفضل المذكور سبع أو ثمان .
و قوله (و جلها عن الخلائق انكتم ) إنما انكتم لأنه لا ينال إلا بالذوق و التعريف الإلهي ، و لا يفشيه من فتح عليه فيه إلا بإذن لا غير، و أشار الناظم بهذا إلى ما ذكره سيدنا رضي الله عنه في فضل هذه الصلاة  وهو أن لها من الفضل سبع أو ثمان مراتب ، و أن الذي ذُكِر من فضلها هو جزء من المرتبة الأولى ، و غير ذلك كله مكتوم.

و مِن سوى المكتوم أن من تلا                  من هذه الصلاة عشرا حصلا
ما  لم  يحصَّله   وليّ   سام                    قدرا  و  عاش  ألف ألف عام

أشار بهذا على فضل الياقوتة الفريدة ، في مرتبتها الظاهرة ، وهو أن سيدنا رضي الله عنه سئل عن فضلها فقال :” من ذكرها عشر مرات لو عاش العارف ألف ألف سنة كان ذاكرها عشرا أكثر منه ثوابا ، يعني العارف الذي لم يذكرها .”  وهو من باب تضعيف الأعمال بالأضعاف الكثيرة .
واعلم أن المقرر لدى العلماء في التضعيف أنه يكون تارة باعتبار لفظه ، كاشتماله على جميع الأوصاف الذاتية و الفعلية ، و تارة يكون باعتبار الأشخاص فإن عبادة أهل المراتب ليست كعبادة غيرهم في الفضل ، وأهل المراتب هم أيضا متفاوتون بحسب تفاوت مراتبهم ، فمنهم من يومه كليلة القدر ، و منهم من يومه بألف سنة ، و منهم من يومه كيوم المعارج بخمسين ألف سنة ، قاله سيدنا رضي الله عنه و أشار إليه أيضا الشيخ زروق و كذا ابن عطاء الله .
و قد يعظَّم فضل الله تعالى على أهل المراتب فيَسري سر التضعيف في أتباعهم بسبب إذنهم لهم ، فيحصل للمأذون له قسط مما للآذن و إن لم يجاهد مجاهدته ، قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه :” أنا تحملت التعب عن أتباعي.” ، و مثله قول سيدنا في حق أصحابه  وهذا لهم من أجلي، وذلك لما خصوا به من فضل  ، و تارة يكون باعتبار الأزمان ، و تارة باعتبار الأمكنة كالعمل في الحرمين الشريفين على ما ورد. 
  و إذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الصلاة الشريفة ، صلاة الفاتح لما أغلق ، قد اشتملت على الوجوه التي تكون سببا للضعف المذكور ، فإنها اشتملت على نداء الله تعالى بالاسم الجامع للذات و الصفات و الأفعال ، وهو يتضمن الثناء عليه سبحانه و تعالى بما هو أعم وجوه الثناء ، واشتملت من الثناء على حبيبه الأعظم و رسوله الأكرم على أبلغ الثناء و أعم المدح ، مع ما اشتمل عليه قوله فيها :”حق قدره و مقداره العظيم ” ،هذا باعتبار اللفظ .
و أما باعتبار الأشخاص فيكفي ما صرح به الشيخ رضي الله عنه  من الفضائل التي أعطاها الله تعالى لأهل هذه الطريقة من المحبوبية المفاضة عليهم من الحضرة المحمدية عليه الصلاة و السلام ،هذا مع حصول الإذن في صلاة الفاتح من أستاذ الطريقة الذي هو الختم الأكبر المحمدي ،وهو عن سيد الأزمان صلى الله عليه و سلم بلا واسطة.  
وأما باعتبار الأزمان فمن حيثية  كونهم في آخر الأزمان الذي  ورد الخبر أن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ، و أن للعامل من أهل هذا الزمان أجر الخمسين ، قالوا:” منا أو منهم؟”  قال صلى الله عليه و سلم: ” منكم لأنكم تجدون على الخير أعوانا وهم لا يجدون عليه أعوانا.” 
والذي نعتقد به أن الله تعالى تفضل بذلك بمحض جوده و كرمه ، إما بلا سبب أو بسبب لا يدركه أمثالنا إلا بتعريف من الله تعالى .

و عدم الإحباط للذي فعل                  ما هو في سواها يحبط العمل

أشار بهذا إلى أن من فضائل هذه الصلاة الشريفة و خصوصيتها السامية المنيفة أنه إذا صدر من المصلي بها بعض ما يحبط الأعمال ، فإنها لا تُحبَط هي في جملة ما يحبط بفضل الله تعالى.

و مرة  واحدة  تقرأ  من               هذا تكفر الذنوب و تزن
من كل تسبيح و ذكر وقعا             ستة آلاف و من كل دعا

أشار بهذا إلى ما ثبت عن سيدنا رضي الله عنه من أن المرة الواحدة من صلاة الفاتح لما أغلق تكفر ذنوب العبد .
 قال سيدنا رضي الله عنه في بعض رسائله ووصاياه: ” واعلموا أن الذنوب في هذا الزمان لا قدرة لأحد على الانفصال عنها ، فإنها تنصب على الناس كالمطر الغزير ، و لكن أكثروا من مكفرات الذنوب ، و آكد ذلك صلاة الفاتح لما أغلق ، فإنها لا تترك من الذنوب شاذة و لا فاذة. 
و قوله (تزن من كل تسبيح) الخ أشار به إلى ما ثبت عنه رضي الله عنه أيضا أن المرة الواحدة من هذه الصلاة الشريفة تعدل من كل تسبيح وقع في الكون ، و من كل ذِكر أو دعاء كبير أو صغير ستة آلاف مرة .

و مرّةً  منها  بست  مائة                ألف من الواقع في البرية
من صلواتهم لوقت الذكر               وهي تضاعف بهذا القدر

أشار به إلى ما في الجواهر و الجامع من بيان تضعيف ثواب صلاة الفاتح لما أغلق ، و أن المرة الأولى منها إذا أتى بها المصلي تضاعف له بستمائة ألف صلاة من صلاة كل ملك و إنس و جن من أول خلقهم إلى تلفظ الذاكر بها ، و المرة الثانية مثلها و تكتب له الأولى بستمائة ألف صلاة ، و هكذا إلى انقطاع ذكر الذاكر لها بالموت ، و هذا أمر يبهر العقول { و الله ذو الفضل العظيم }  

 

سعادة    الدارين    ضامنتها             في   اليوم   مرة    مداومته
و من يلازم مرة في كل يوم             منها يموت مسلما من غير لوم

أشار إلى كلام الشيخ رضي الله عنه:” ملازمة الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم تدرك الرجل و أولاده و أولاد أولاده .” ثم قال:” و أما صلاة الفاتح لما أغلق فهي ضامنة لخير الدنيا و الآخرة لمن التزم دوامها.” ، ثم بين رضي الله عنه خير الآخرة بقوله :” من داوم على الفاتح لما أغلق يموت على الإيمان قطعا.” ، وقد ذكر الشعراني أذكارا من لازمها يموت مسلما برواية عن الخضر عليه  السلام.

و فضلها يحصل مع شرطين                 من ذلك إذن الشيخ دون مين
ثم  اعتقاد  أنها  قد   برزت                  من حضرة الغيب لمن له سرَت

المراد بالفضل في البيت الفضل الخاص لا العام الذي تلقاه سيدنا الشيخ رضي الله عنه من الحضرة المحمدية، وهو لا يحصل لذاكرها إلا بشرطين 
الأول : الإذن الصحيح من الشيخ رضي الله عنه ، إذ هو المأذون له من الحضرة المحمدية صلى الله عليه و سلم في إبرازه.
الثاني : إعتقاد المصلي أنها ليست من تأليف البشر ، وذلك أن القطب البكري رضي الله تعالى عنه توجه إلى الله تعالى مدة يسأله أن يمنحه صلاة على النبي صلى الله عليه و سلم فيها سر جميع الصلوات ، فنزلت عليه مكتوبة بقلم القدرة في صحيفة من نور، وهو معنى ( قد برزت من حضرة الغيب ) و هو من باب خرق العادة كرامة لأولياء الله تعالى. 
و قوله (سَرَت ) إشارة إلى أن هذا من الأسرار التي لا يطلع عليها الناس  حتى تظهر حيث أظهرها الله تعالى.
و قوله (دون مين) أراد به صحة الإذن عن الشيخ رضي الله عنه و لو بواسطة أو وسائط متعددة واعتقاد أنها ليست من تأليف البكري و لا غيره .
تنبيه : قد عرفت أن الصلاة أهديت للقطب البكري كما رأينا لكن الفضل الخاص لم يتلقاه القطب المذكور إنما تلقاه سيدنا الشيخ رضي الله عنه بما أنه المخصوص بالتربية بهذه الصلاة في زمان وجوده الذي هو آخر الأزمان بما عليه أهله من ضعف الاستعدادات و قلة الرغبة بالجد و  الاجتهاد.

و ما على النبي صلى أحد                  بمثلها سمع ذا  ذا  الأوحدُ

(ذا) الثانية راجعة إلى الشيخ رضي الله عنه أوحد الأولياء علما و حالا و مقاما .
و قوله (سمع ) أي من النبي صلى الله عليه و سلم ، و أشار بهذا إلى ما في” جواهر المعاني ” من قول سيدنا  رضي الله عنه :” قال لي صلى الله عليه و سلم :” ما صلى عليّ أحد بمثل صلاة الفاتح لما أغلق .”
و قد صرّح سيدنا رضي الله عنه بأن جميع ما في الصلوات من الخواص و غيرها يحصل لذاكر الفاتح لما أغلق.

و أما معنى صلاة الفاتح :
” اللهم صل على سيدنا محمد “
(اللهم) بمعنى يا الله الذي له الأسماء الحسنى ، و ذلك بما قيل أن أصل ” اللهم ” يا الله ، فالاسم الأعظم “الله” هو المستغرق لجميع الأسماء الحسنى و الصفات العلى ، و الميم مشعرة معينة على كمال استحضار ذلك الاستغراق ، ومعنى الصلاة المطلوبة من الله تعالى زيادة تكرمة منه سبحانه و تعالى لحبيبه صلى الله عليه و سلم ، إذ أصل التكرمة حاصل بلا ريب ، و المطلوب زيادة ذلك. 
و يلاحظ الذاكر هنا عجزه الذاتي على أن يصلي عليه صلى الله عليه و سلم لما هو فيه من غاية الشرف و الرفعة التي لا مطمع فيها لغيره من جميع المخلوقات ، و العبد عاجز في غاية ما يكون من الانحطاط  و العيب و النقص ، و من أجل ذلك أمر أن يطلب من الله تعالى أن يتولى الصلاة بنفسه عليه صلى الله عليه و سلم حتى تكون مناسبة لعظيم قدر مصطفاه و حبيبه من خلقه ، إذ لا يعلم قدره وحقيقة غيره سبحانه و تعالى كما روي عنه عليه الصلاة و السلام: ” لا يعرفني حقيقة غير ربي ” .
و يلاحظ عند تلفظه بالسيادة في قوله على سيدنا أنه صلى الله عليه و سلم سيد المخلوقات كلها و جميع العوالم بأسرها  ، و يلاحظ في الاسم الشريف محمد صلى الله عليه و سلم حمد أهل السماوات و أهل الأراضين له ، حمدا كثيرا مضاعفا بتضعيف ما خصه به مولاه جل و علا من المحامد الكثيرة 
و معنى ” الفاتح لما أغلق “
أنه صلى الله عليه و سلم هو السبب في وجود جميع الكائنات و إبرازها من العدم إلى الوجود ، فهو الذي فُتِح به ما كان منغلقا من الوجود على كل موجود، إذ لولاه صلى الله عليه و سلم ما وُجِد موجود و لا أخرج من بطون العدم إلى ظهور الوجود ، و كما أنه صلى الله عليه و سلم سبب في وجود الكائنات فهو أيضا سبب في إفاضة الرحمة عليها ، فلولا وجوده صلى الله عليه و سلم ما رحم موجود . فهذا الذي فتح الإغلاق وجوده إيجادا و إمدادا.
وهو صلى الله عليه و سلم الفاتح لما أغلق من القلوب المغلقة بالشرك و الجهل. 
 قال صلى الله عليه و سلم : ” كنت أول الناس في الخلق و آخرهم في البعث. 
و قال صلى الله عليه و سلم:” أنا أول من تنشق عنه الأرض . أنا أول شافع و مشفع . أنا أول من يجيز أمته على الصراط. أنا أول من يأخذ بحلق الجنة.”
و معنى ” الخاتم لما سبق ” 
أنه صلى الله عليه و سلم  خاتم النبوة و الرسالة ، فإليه انتهت كمالاتها و عليها انختمت بلا شك. 
و من معاني خاتميته  بلوغ أعلى منزلة في كل وصف من أوصاف الكمال ، فهو أعلى العلماء و الحلماء ، و سيد الحكماء ، و أقرب المقربين إلى الحضرة العلية ، و أكرم مخلوق على ربه. 
و معنى “ناصر الحق بالحق” 
   أنه صلى الله عليه و سلم هو القائم بنصر الله تعالى غير مكترث بسواه ، وهو الناصر لدين الله تعالى الملكِ العدل ، بالحق و الجد لا بالباطل و الهزل ، ناصر الحق بالحق ، ناصر الله بالله ، فلا ينصر باطلا ، و لا ينصر الحق بالباطل.
و معنى قوله: ” الهادي إلى صراطك المستقيم “
أنه صلى الله عليه و سلم الهادي إلى طريق الفلاح و المرشد إلى سبيل النجاح 
يقول تعالى: { و إنك لتهدي إلى صراط مستقيم }
   ” وعلى آله  ”   
الآل : في مقام الدعاء جميع أمته ، لكن لابد من لحظ آله صلى الله عليه و سلم بمزيد تعظيم و تشريف ، كما لا يخفى على ذي عقل سليم ، تعلقا و تشبثا به و بأذياله صلى الله عليه و سلم ، فلابد بعد التعميم بجميع أمته من التخصيص لآله ، رزقنا الله محبتهم وأعظم في قلوبنا حرمتهم بمنه و كرمه.
و قيل في آله أيضا :” ورثته الكمل الذين حملوا ظاهر الشريعة و باطنها .”.
     
ملاحظة  مهمة  :  جاء في “الإفادة الأحمدية”
و قوله “حق قدره و مقداره العظيم “
معناه أن المصلي طلب من الله تعالى أن يصلي على حبيبه الأعظم و صفيه الأكرم الصلاة التي يستحقها ما خصه به من عظم القدر و المقدار لديه ، إذ لا يعرف ذلك و لا يعلمه حقيقة أحد ممن توجه الأمر له بالصلاة و السلام عليه ، فلا يحيط علما بقدر النبي صلى الله عليه و سلم إلا المولى الكريم .

ملاحظة  مهمة  :  جاء في “الإفادة الأحمدية”
قد شنع قوم بغير علم على بعض العارفين في نسبتهم بعض الأدعية أو الصلوات إلى الحق تبارك و تعالى ، و زعموا أنهم زادوا في كتاب الله ، و هم مخطئون أو كاذبون عليهم ، فذلك كان يصح لو أنهم ادعوا أن ما ألقي إليهم هو من كتاب الله عز و جل ، أو أن يكون مما لا يرجع إلى شريعته صلى الله عليه و سلم ، أو غيروا حكما شرعيا فأباحوا ما حرمه الله أو حرموا ما أحله الله .
بهذا يظهر لك وجه ما قيل في نسبة صلاة الفاتح إلى الحضرة الإلهية  في حين أن لفظ الشيخ سيدي أحمد التجاني في الجواهر :” أنها من حضرة الغيب.”
ومن زعم أن الشيخ رضي الله عنه قال أنها من كلام الله القديم أو من القرآن أو من الأحاديث القدسية أو من أي وجه من وجوه وحي النبوة فهو كاذب مفتر على الشيخ رضي الله عنه. 
قال رضي الله عنه في الفرق بين مكالمة العارفين و بين كلامه عز وجل للأنبياء: 
أن الكلام الوارد على الرجال في هذا الميدان ، نسبته نسبة الخلق إلى الخالق ، لا نسبة الكلام إلى المتكلم ، و من ظن من الرجال أنه يسمع كلام الذات كما سمعه موسى عليه الصلاة و السلام فقد ضل و فارق الحق وخسر. 
بل هي كما ذكر من الإلهام الجائز للأولياء ، و ما ذكر أنها من كلام الله فالمقصود به أنها من الإلهام، و يكون المراد أنها من الأدعية التي لا تنافي أي أصل من أصول الكتاب و السنة بل ترجع إليها .
وقد يتلقاها العارفون عن الحضرة القدسية ، أو عن طريق المصطفى صلى الله عليه و سلم ،أو يسمعون هاتفا يهتف به ، أو يرونه مكتوبا أو غير ذلك.

تكملة:
قال في جواهر المعاني:” وسألته رضي الله عنه عن صلاة الفاتح لما أغلق لأنها خالية عن السلام لأمر أوجبه.  فأجاب رضي الله عنه بقوله:” 
وأما سؤالكم عن صلاة الفاتح لما أغلق الخ فإنها وردت من الغيب على هذه الكيفية وما ورد من الغيب كماله ثابت خارج عن القواعد المعلومة.
 ليست من تأليف مؤلف ووراء هذا أنّ كيفيات وردت عنه صلى الله عليه و سلم في الصلاة الخالية من السلام وهي كيفيات نبوية متعبّد بها فلا التفات لما يقوله الفقهاء والسلام.” 
قال رضي الله عنه:
” وخاصية الفاتح لما أغلق أمر إلهي لا مدخل فيه للعقول فلو قدّرت مائة ألف أمة كل أمة مائة ألف قبيلة في كل قبيلة مائة ألف رجل وعاش كل واحد مائة ألف عام يذكر كل منهم في كل يوم ألف صلاة على النبي صلي الله عليه و سلم من غير صلاة الفاتح لما أغلق الخ وجميع ثواب هذه الأمم كلها في مدة هذه السنين كلها في هذه الأذكار كلها ما لحقوا كلهم ثواب مرة واحدة من صلاة الفاتح لما أغلق فلا تلتفت لتكذيب مكذب ولا لقدح قادح فيها فإنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فإنّ لله سبحانه وتعالى فضلاً خارجاً عن دائرة القياس ويكفيك قوله سبحانه وتعالى {ويخلق مالا تعلمون} فما توجّه متوجّه إلى الله تعالى بعمل يبلغها وإن كان ما كان ولا توجّه متوجه إلى الله بعمل أَحبّ إِليه منها ولا أّعظم عند الله جدوة منها إلا مرتبة واحدة وهي من توجه إلى الله تعالى باسمه العظيم الأعظم لا غير هو غاية التوجّهات والدرجة العليا من جميع التعبدات ليس لفضله غاية ولا فوقه مرتبة نهاية.
 وهذه صلاة الفاتح تليه في المرتبة والتوجّه والثواب والفوز بمحبة الله لصاحبها وحسن المآب فمن توجّه إلى الله تعالى مصدقاً بهذا الحال فاز برضى الله وثوابه في دنياه وأخراه بما لا تبلغه جميع الأعمال يشهد بهذا الفيض الإلهي الذي لا تبلغه الآمال، ولا يحصل هذا الفضل المذكور إلا مع التسليم.
 ومن أراد المناقشة في هذا الباب وهذا المحل فليترك فإنّه لا يفيد استقصاء حجج المقال واترك عنك محاججة من يطلب منك الحجج فإن الخوض في ذلك رداً وجواباً كالبحر لا تنقطع منه الأبواب والقلوب في يد الله هو المتصرف فيها والمقبل بها والمدبر بها فمن أراد الله سعادته والفوز بثواب هذه الياقوتة الفريدة جذب الله قلبه إلى التصديق بما سمعه فيها وعّرفه التسليم لفضل الله سبحانه بأنه لا يأخذه الحدّ والقياس، فصرف همته في التوجّه إلى الله تعالى بها والإقبال عليه بشأنها فلا تعلم نفس ما أخفي لها من قرة أعين، ومن أراد الله حرمانه من خيرها صرف الله قلبه بالوسوسة وبقوله:” من أين يأتي خبرها؟” ، فاشتغل بما قلناه لك، ومن أطاعك في ذلك وأعرض عن مناقشتك في البحث بتحقيق ذلك فإِنّا أخذناه من الوجه الذي تعلمه وكفى.” إهـ . 
” : وقال في جواهر المعاني أيضاً 
فإن قلت:” ربّما يطلع بعض القاصرين ومن لا علم له بسعة الفضل والكرم فيقول:” إذا كان هذا كما ذكر فينبغي الاشتغال به أولى من كل ذكر حتى القرآن.” .
 قلنا له:” بل تلاوة القرآن أولى لأنّها مطلوبة شرعاً لأجل الفضل الذي ورد فيه ولكونه أساس الشريعة وبساط المعاملة الإلهية، ولما ورد في تركه من الوعيد الشديد، فلهذا لا يحلّ لقارئه ترك تلاوته أمّا فضل الصلاة التي نحن بصددها فإنها من باب التخيير لا شيء على من تركها.
وثانياً: إنّ هذا الباب ليس موضعاً للبحث والجدال بل هو من فضائل الأعمال وأنت خبير بما قاله العلماء في فضائل الأعمال من عدم المناقشة فيها.“.
 
  مقتطفات من كتب الطريقة

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي