سيدي العربي ابن السايح رضي الله عنه

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي

نسبه

هو أبو المواهب سيدي العربي بن محمد بن محمد السايح بن محمد ابن داود بن محمد بن عبد القادر بن القطب سيدي محمد الشرقي العمري الفاروقي ، و ينتهي نسبه إلى الخليفة الراشد الثاني سيدنا ابي حفص عمر ابن الخطاب رضي الله عنه و عنا به .
و كان أبوه سيدي محمد من العلماء العاملين ، و الأولياء الصالحين ، و من أعيان الدار الشرقاوية بمدينة مكناس.

ولادته و نشأته

ولد رضي الله عنه في فجر يوم عيد الإضحى سنة 1229هـ / 1813م بدارهم التي كانت قبالة المسجد الكبير بمدينة مكناس ، و لقد دخل على أبويه بولادته الفرح و البهجة و السرور لأن أباه لم يرزق ولدا ذكرا مع كبر سنه ، فكان يتضرع إلى الله سبحانه أن يرزقه ولدا صالحا يقر به عينه… و لما بلغ سن الخامسة و السبعين استجاب الله دعاءه و أكرمه – كما أكرم نبيه زكريا – بولد سعيد سماه (محمد العربي) تيمنا بإسم و ليين صالحين كانا بشراه بولادته هما سيدي محمد العربي بن المعطي بن صالح الشرقي و سيدي محمد العربي الوزاني رضي الله عنهما، و ما فتئ منذ أن رزقه الله هذا المولود السعيد الميمون  ، إلى أن التحق بالرفيق الأعلى عشرين سنة بعد ذلك ، يحيطه بعنايته و بعطفه و يربيه أحسن تربية حريصا على أن يتلقى تعليما و تربية يتناسبان و مقام عائلته .
فنشأ لذلك نشأة صالحة في جو مفعم بالإيمان و العلم و الصلاح و محبة الرسول صلى الله عليه و سلم و أهل بيته الطاهرين و محبة الأولياء الصالحين .

تلقيه للعلم

ما إن بلغ سن التمييز حتى دفعه أبوه للكتاب ليتلقن كتاب الله فحفظه حفظا متقنا ، كما حفظ بعده المتون العلمية المتداولة آنذاك ، ثم بعد ذلك التحق بالحلق العلمية بمكناس لدراسة العلوم الإسلامية من نحو و فقه و عروض و بلاغة و أصول و منطق ، إلى أن اشتد عوده و برع في كل ما ألقي إليه .
ثم رحل إلى مدينة فاس حيث أخذ هناك عن جماعة من أكابر العلماء ” حتى فتح له التحرير بابه ، و أدخله التحصيل حجابه “.
و بعد أن تخرج و ملأ وطابه من العلوم الغزيرة رجع إلى مسقط رأسه مكناس حيث أقبل على التدريس و التعليم و الإفادة فأخذ عنه جل طلبة الوقت ، و تعاطى خطة الاشهاد (العدالة) مدة من الزمن للإستعانة على متطلبات الحياة .

شيوخه في العلم 

أما شيوخه في العلم فهم كثيرون موزعون بين مدينتي فاس و مكناس ، نخص بالذكر منهم بمسقط رأسه مكناس :
-العلامة سيدي محمد البادي بن الشافعي بادو المكناسي
– العلامة سيدي محمد بن محمد بن فقيرة المكناسي
– العلامة سيدي عمر بن النمكي المعطي بن صالح الشرقي 
– القاضي العلامة سيدي العباس بن كيران الفاسي 
و بمدينة فاس :
– العلامة الشريف سيدي الوليد العراقي الفاسي
– العلامة الشريف سيدي محمد بدر الدين الحمومي الفاسي
و تخرج في علم الحديث على محدث عصره سيدي عبد القادر بن أبي جيدة المعروف بالكوهن الفاسي المدفون بالمدينة المنورة .
 و في سنة 1281 هـ أجازه العلامة الرحالة الشيخ عبد الرحمان النابلسي لما زار المغرب .

أخذه للطريقة التجانية

في سنة 1256 هـ  تمسك سيدي أبو المواهب السائحي بالطريقة التجانية و قد بلغ من العمر سبعة و عشرين سنة ، ولتمسكه بها حكاية لطيفة ، و ذلك أنه في تلك السن تشوق تشوقا قويا إلى رؤية سيد الوجود صلى الله عليه و سلم فصار يستعمل لهذا الغرض الشريف صيغا من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و ذات ليلة رأى أباه سيدي محمد في المنام وهو يقول له :” أتطلب رؤية رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟” فأجابه:” نعم يا سيدي!” ، فقال له وهو يشير إلى جماعة من الفقراء يذكرون في المسجد :” إذا أردته فاطلبه عند هؤلاء السادات فإنه يحضر معهم .”.
فلما استيقظ علم أن السادة الذين أشار إليهم أبوه هم أصحاب الشيخ سيدنا أحمد التجاني رضي الله عنه الذين كانوا يجتمعون لذكر الوظيفة و الهيللة بالمسجد الأعظم قبل بناء الزاوية بمكناس ، ففهم الإشارة وعلم أن ذلك إذن له في أخذ الطريقة فطلبها ممن كان يلقنها آنذاك ، و الغالب على الظن أنه المقدم سيدي محمد بلقاسم بصرى رضي الله عنه  .
وبعد أن تمسك بالطريقة تخلى عن خطة الاشهاد بعد أن اطلع على كلام سيدنا الشيخ التجاني رضي الله عنه في الموضوع.
ثم انكب على مجالسة علماء الطريقة و خواصها و على مطالعة الكتب المؤلفة فيها و تقاييدها الخاصة ، و صار يبحث عن كل ما يتعلق بصاحبها و بأصحابه و بفقهها و أذواقها و أسرارها و معارفها و أنوارها و كل شؤونها ، فرحل لأجل ذلك إلى كل من فاس و مراكش و الرباط للإتصال بأكابر تلاميذ الشيخ أحمد التجاني رضي الله عنه الذين أخذوا عنه مشافهة ، و لم يكتف بذلك بل كان يكاتب من كان منهم خارج المغرب ، و كان من سعد طالعه و يمن حظه أن أدرك عددا وافرا منهم على قيد الحياة ، فانتفع بهم انتفاعا بالغا .
فاجتمع لديه من المعلومات ما جعله دائرة للمعارف في كل ما يتعلق بالطريقة و بصاحبها و برجالها حتى صار كل من أتى بعده يستشهد به و يستند عليه و على كتابه “ بغية المستفيد”  و على إجازاته و رسائله .
و لنستمع له رضي الله عنه وهو يحدثنا بأسلوبه البديع الرائق عن هذا الموضوع كما في طالعة كتابه ” البغية ” حيث يقول :
” و قد كنت حين قادني رائد العناية الأزلية الذي إلا عليه المدار ، و جذبني جاذب الدائرة الفضيلة التي هي من وراء دوائر العقول و الأفكار ، فألهمت من فضل الله تعالى الإنتماء لجانب هذا الشيخ العظيم ، و الإلتجاء إلى حمى طريقته الشريفة و حزبه الكريم ، بإلقاء القياد له و سلب الإرادة إليه على طريق الإستسلام و التحكيم ، لقيت من أصحابه الذين أخذوا عنه علومه و أسراره ، واقتبسوا منه بحسن الصحبة و كمال المتابعة معارفه و أنواره ، ولازموه إلى أن فارقوه وهوعنهم راض جماعة وافرة ، فانتفعت بحمد الله على أيديهم بما أرجو عود بركته علي و على أولادي و سائر الأحبة و الإخوان في الدنيا و الآخرة .
فتلقيت ممن تأهل منهم للتلقين ورده المحمدي الشريف ، و أخذت عنهم عهده المصفوي الحنيف ، و رويت عنهم من طريق الإجازة العامة جميع ما اشتمل عليه كتاب “جواهر المعاني” من الأوراد و الأذكار ، و تلقيت منهم سماعا شرح الكثير من مسائله الجليلة القدر و فوائده العظيمة المقدار، و ذاكرتهم بطريق الإستفادة منهم و الأخذ عنهم في كثير مما لم يشتمل عليه هذا الكتاب ، مما يوجد زائدا على ما فيه بغيره من المؤلفات و التقاييد التي بأيدي الأصحاب ، فاجتمع عندي بحمد الله من ذلك نبذة كافية و جملة شافية مما يحتاج إليه المسترشد المستفيد ، و لا يستغني عن مراجعته المرشد المفيد”.
و لنذكر بعض هؤلاء السادة الذين أخذ عنهم أو استفاد منهم تبركا بهم رضي الله عنهم و هم :
– العلامة الخطيب المقدم سيدي محمد بن بلقاسم بصرى المكناسي 
– الشريف العارف المقدم مولاي الطيب السفياني الفاسي 
– العارف المقدم سيدي عبد الوهاب بن الأحمر الفاسي 
– العارف الكبير الشريف مولاي محمد بن أبي النصر العلوي
– العلامة العارف سيدي محمد بن محمد بن فقيرة المكناسي
– العلامة العارف سيدي العباس بن كيران 
– العلامة العارف الكبير سيدي محمد بن الحفيان الشرقاوي الرباطي .
كما انتفع انتفاعا كبيرا برفيقه و صديقه العلامة لسان الطريقة أبي عبد الله سيدي محمد بن أحمد اكنسوس رضي الله عنه 
و أجازه في الطريقة كل من 
– الخليفة سيدي الحاج علي التماسيني مكاتبة
-المقدم العارف سيدي محمد الهاشمي الصرغيني
– العارف المربي سيدي عبيدة بن محمد الصغير بن أنبوجة التشيتي الشنقيطي صاحب كتاب “ميزاب الرحمة الربانية

سكناه بمدينة الرباط

لما بلغ رضي الله عنه سن الأربعين من عمره هيأ الله له الأسباب  لإكمال شطر دينه فانتقل إلى مدينة الرباط حيث تزوج بالسيدة المصونة و الدرة المكنونة لالة عائشة بنت شيخه العلامة العارف سيدي محمد الحفيان الشرقاوي و ذلك بعد وفاة والدها المذكور ، و كان أخوها وصيا عليها ، و كان من جملة شروط العقد أن يسكن سيدي العربي بن السايح بالرباط  و تم البناء بها سنة 1270 هـ . فكان هذا الزواج الميمون سببا لاستقراره التام بمدينة الرباط ، فاشتغل رضي الله عنه بالتعليم و نفع الطلبة و نشر تعاليم الطريقة التجانية كما أنه رضي الله عنه أشرف على إكمال بناء الزاوية التجانية العتيقة التي بالحرارين و التي قد بدأها صهره سيدي العربي بن الحفيان رضي الله عنهما ، و كانت نهاية بناء هذه الزاوية الكريمة سنة 1280 هـ و كان يجلس في روض قرب داره بالمحل الذي دفن فيه بحي العلو لاستقبال الواردين و لإلقاء الدروس العمومية و الخصوصية سواء في صحيح الإمام البخاري و غيره من كتب الحديث أو في التربية في الطريقة ، فكانت مجالسه لا تخلو من العلماء و الوجهاء و الطلبة و المريدين .
فحصل له رضي الله عنه ظهور واشتهار و صار الناس يأتونه من جميع أنحاء المغرب و من البلدان المجاورة ، بل حتى من الشرق الأوسط و الحرمين الشريفين تجذبهم جاذبيته القوية و شخصيته العرفانية الفذة .
كما كانت تتوارد عليه الرسائل و المكاتيب من مختلف النواحي فيجيب عنها بأسلوبه الرائق العذب الرفيع ، معطيا للموضوع حقه من البحث ، متناولا له من جميع الجوانب بحيث أن بعض أجوبته رضي الله عنه تعد مؤلفا مستقلا .

زوجته و أولاده

ترك رضي الله عنه بعد وفاته زوجته الدرة المصونة و الياقوتة المكنونة العارفة السيدة عائشة بنت الشيخ الإمام العلامة المقرئ الهمام سيدي محمد الحفيان الشرقاوي العمري ،و أخذ عنه جماعة من أعيان العلماء  ، و كان ينوب عن الشيخ التجاني رضي الله عنه في نشر الطريقة  ، توفي في 10 رمضان 1246 هـ  و دفن بالزاوية المعطاوية بالرباط .
كانت السيدة عائشة الحفناوية زوجة صالحة ناسكة عابدة مخلصة عارفة بالله ، و كانت تبادل زوجها المحبة و الوداد قائمة بشؤونه ، تعظمه و تكبره و تسارع في مرضاته و خدمته الى أن فارقها وهو راض عنها .
و كانت لها مناقب كثيرة و كرامات كبيرة ، و يكفيها أن زوجها رضي الله عنه قال لها : ” اني تركت عندك كل شيء ” توفيت رضي الله عنها عشية يوم الجمعة 5 صفر سنة 1319 هـ و دفنت بجانب زوجها رفيقة له في التربة كما كانت رفيقة له في الحياة .
وقد رزقه الله منها ولدين و بنتا ماتوا صغارا

تلامذته و الآخذون عنه

إن كان رضي الله عنه قد حرم الذرية من صلبه فقد أكرمه الله تعالى بأن أخذ عنه الجم الغقير من التلامذة سواء العلم أو الطريقة ، فتخرج على يده علماء أفذاذ و عارفون أقطاب و أدباء و شعراء بلغاء ، فما جالسه أحد و أخذ عنه إلا ووقع له الفتح ، و لا قرأ عليه إلا و فاز بغاية النجاح ، و لنذكر فيما يلي بعض الأعلام منهم على سبيل المثال لا على سبيل الحصر : 
– سيدي عبد الله التادلي الرباطي
– سيدي محمد بن يحي بلامينو الرباطي 
و هذان السيدان كانا ملازمين له رضي الله عنه آخر حياته ملازمة تامة فرأيا و سمعا و شهدا منه ما لم يتفق لغيرهما
– سيدي أحمد بن قاسم جسوس
– سيدي محمد بن الحسني العلمي الرباطي
– أخوه سيدي الغازي والد الحافظ مولانا المدني رحمه الله 
– سيدي عبد القادر لوبريس
– السادة أولاد بن عبد الله الحاج أحمد و الحاج علي و الحاج العربي
– سيدي محمد المكي الزواوي مقدم الزاوية بسلا
– سيدي أحمد بن موسى عالم مدينة سلا
– سيدي الحاج الطيب عواد السلاوي
– سيدي الحاج محمد بن عبد السلام كنون الفاسي 
– القطب سيدي الحاج الحسين الافراني دفين مدينة تيزنيت
– سيدي أحمد محمود المدفون بالرحامنة  
– مولاي العربي المحب العلوي
– سيدي محمد فال بن بابا العلوي الشنجيطي
– مفتي الديار التونسية سيدي صالح النيفر
– مفتي الديار الوهرانية سيدي علي بن عبد الرحمان
– الرحالة سيدي محمد بن خليفة المدني التونسي المدفون بمكناس

هؤلاء كلهم تخرجوا على يده رضي الله عنه في العلم و الطريقة 
و من الأعلام الذين تخرجوا عليه في العلم فقط مع الفوز بقسط وافر من المعرفة الربانية السادة :
– أحمد بناني قاضي الرباط 
– العلامة محمد الصنهاجي المدعو ماني
– العلامة الشريف مولاي الكامل الامراني 
رحم الله الجميع و رضي عنهم بمنه
و ما من واحد من هؤلاء و غيرهم الا واتفقت له مع صاحب الترجمة كرامة أو خارق من الخوارق ، و ممن تبرك بالأخذ عنه و بمجالسته مولانا سلطان المغرب الحسن الأول رحمه الله الذي لقنه أبو المواهب عددا من صلاة الفاتح .

مؤلفاته و آثاره

هذه لائحة لبعض مؤلفاته رضي الله عنه  منها :

– شرح على منظومة السيد التجاني بن بابا في أزواج النبي صلى الله عليه و سلم و بنيهن و بناته مع بنيهن ، ذكره في البغية وهو مفقود.
– شرح لامية الإمام البوصيري رضي الله عنه في المدح و التي مطلعها إلى متى أنت باللذات مشغول ألخ منه نسخة واحدة بخط المؤلف  .
– تقييد في صلاة الفاتح ضاع في حياة المؤلف .
– مفتاح السعادة الأبدية في ذكر المهم من أذكار الطريقة التجانية جعله المؤلف كتذييل لكتابه بغية المستفيد ، و الموجود منه الخطبة فقط .
– الجواب الكافي ، أجاب به العلامة سيدي صالح النيفر مفتي المالكية بالديار التونسية و أجازه به .
– ختمة صحيح الإمام البخاري التي شرح فيها قوله : باب و نضع الموازين ليوم القيامة الخ
– بغية المستفيد لشرح منية المريد ، وهو أهم مؤلفاته رضي الله عنه كما أنه أهم المؤلفات في الطريقة التجانية بعد جواهر المعاني بحيث أن كل من ألف في الطريقة بعده يستشهد به و يستند عليه
وله رضي الله عنه – علاوة على ما تقدم – رسائل و أجوبة و إجازات تعد من روائع ما كتب في الباب و تكون إذا جمعت مؤلفا مستقلا نافعا له من الأهمية ما لكتاب البغية .
و أما شعره فمتعدد الجوانب تناول أغراض الشعر المعروفة غير أن القصائد النبوية و التوسلات الربانية كانت هي الغالبة عليه

بعض شعره  

تبركا بأنفاسه الطاهرة ننقل بعض شعره تبركا به 
فأول شعر قاله رضي الله عنه :
ألا إن خير الناس طرا محمد       و خير كلام العالمين كلامه 
به يشتفى من كل داء و علة      ويبلغ للقلب المعني مرامه 
و قال رضي الله عنه لما زار قبر مولانا الشيخ التجاني رضي الله عنه وهو واقف بباب الزاوية :
أتيت إلى بابكم فزعا      وليس الى غيركم فزع
فمنوا بدفع الذي اشتكى       ليسكن قلبي من ذا الجزع
فأنتم أنتم أهل الوفا     وحاش لديكم يخيب الطمع
فلما حصل له الإذن الروحاني و دخل الزاوية ووقف تجاه الضريح الأنور أنشأ يقول :
يافرحتي إني على       باب الكريم مخيم
و الضيف حقا إن أتى      باب الأكارم يكرم
ونبينا خير الورى     وهو الرسول الأعظم
قد قال من يك مؤمنا     فالضيف حتما يكرم
ولأنت  أولى  سيد           يرعى لديه تكرم 
و من شعره في الإستشفاع الى رسول الله صلى الله عليه و سلم 
يا رحمة  للعالمين وخير من  تجلى به عنا المصائب والكرب 
وأجل من يحمي من الاسواء من  بحماه لاذ لدى الشدائد والنوب 
ارحم بفضلكأمة ما ان لها    لسوى حماك لدى المكاره من هرب 
قد أيقنت إن لم تواف شفاعة  من بحر جودك بالهلاك وبالعطب 
فاشفع لها عند الجليل تكرما  وسل الإله تفضلا تعط الارب
و من توسلاته قصيدة مطلعها 
الله اكبر لا كبيرا سواهجلت محاميده وعز ثناه
هادي العباد الى سنا عرفانهلولا التفضل ما اهتدوا لسناه

وهي قصيدة أنشدها توسلا عند نشوب الحرب بين روسيا وتركيا بين سنة  1294هـ/ 1877م فانجلى الهم الذي أصاب المسلمين آنذاك بانتصار الأتراك، وكان قد انعزل في خلوته أسبوعين يدعو الله حتى استجيب له.

ثناء العلماء عليه

و فيما يلي ثناء بعض الكبار على أبي المواهب السائحي رضي الله عنه 
فلقد قال فيه لسان الطريقة و إمام أهل الشريعة و الحقيقة صديقه و حبيبه المؤرخ الوزير العارف الكبير أبو عبد الله سيدي محمد بن أحمد أكنسوس رضي الله عنه و قد سئل عن كلام غامض للقطب سيدي عبد الله الغزواني فأجاب السائل قائلا : 
” ولكن إذا أكرمك الله و أسعدك ، و قربك من الفوز و الفلاح و من اخفاق السعي أبعدك ، و أخذ بيمينك و ناصيتك حتى أجلسك و أقعدك في حضرة مولانا منبع الحقائق ، و مشرق أنوار الأسرار و الدقائق ، الفقيه العلامة الحجة البركة العارف الصالح ، معول الغادي و الرائح ، سيدي العربي بن السائح ، فهناك تجد شفاء دائك ،و إجابة ندائك ، و زوال علتك ، فإن الله بفضله جعل بيده مفاتيح الكنوز ، و ملكه كشف الرموز ، جعلنا الله و إياك ممن قسم له الحظ الأوفر من ثمرات أغراسه ، و ممن أشرقت عليه أنوار نبراسه “.

و قال فيه العلامة الواعية سيدي أحمد بن موسى السلاوي رحمه الله : ” كان له رضي الله عنه المشاركة التامة في جميع الفنون خصوصا علم الحديث و الفقه و العربية و العروض ، و أما التصوف فقد كان فرد زمانه فيه رضي الله عنه ، و كتابه بغية المستفيد من أجل ما ألف في ذلك كما يشهد بذلك من طالع كتب القوم “.

و قال العلامة الأديب سيدي أحمد بن قاسم جسوس الرباطي رحمه الله : ” كان رضي الله عنه فهامة دراكة ، آية من آيات الله تعالى في الحفظ و الإتقان ، يملي ما شاء من غير روية و لا امعان ، واسطة العقد في العلوم الشرعية واللطائف الأدبية ، و رابطة الحكم في المعارف اللدنية “.

وقال فيه مؤرخ الرباط سيدي محمد بن علي دينية رحمه الله في كتابه مجالس الإنبساط :” كان رحمه الله علامة متبحرا في المعقول و المنقول تبحر الراسخين ، سالكا نهج المهتدين و مقتفيا لآثار الصالحين ، معروفا بالتحرير و الإتقان ، و متحليا بالأوصاف الحسان ، سمحا وقورا جليلا شكورا ، ذا مشاركة كبيرة في فنون شتى و خصوصا الحديث و التصوف و العربية و العروض و الفقة “.
و قال أيضا :” و بالجملة فصاحب الترجمة كان إماما كبيرا و عالما عاملا و عارفا شهيرا ، فصيح المعاني في الإنشاء و النظم ،ضاربا في فنون الأدب و الرقائق بسهم و أي سهم ، آية من آيات الله الباهرة ، و بحرا من بحور العلوم و العرفان الزاخرة ، اربى على من تقدمه من الفضلاء واعتلى ، و أنشد لسان حاله قول أبي العلا: 
وإني وإن كنت الأخير زمانه        لآت بما لم تأت به الأوائل
و ترجم له سيدي أحمد بن الحاج العياشي سكيرج رضي الله عنه في كتابه كشف الحجاب قائلا : 
“هو العارف الذي جرت ينابيع المعارف من صدره ، البحر المتلاطمة أمواج علمه وسره الولي الشهير والقدوة الكبير العارف بالله والدال عليه في سره ونجواه ، أبو المكارم الشيخ سيدي محمّد العربي بن السائح الشرقي العمري نسبة التجاني مشربا نفعنا الله ببركاته ومنحنا من عظيم نفحاته ، كان من العلماء العاملين والأولياء الكاملين والعارفين الواصلين والهادين المهتدين والراشدين المرشدين ، جعله الله من الذين جمع فيهم العلوم اللدنية واللطائف السنية والكرامات الظاهرة والمناقب الفاخرة ما تفرق فيمن عداه ، وهو أحد خلفاء سيدنا رضي الله عنه الذين ربح على يدهم خلق كثير في هذه الطريقة وفتح بهم كنوز الأسرار والحقيقة وكان رضي الله عنه متيما بحب هذه الطريقة الربانية ذات المواهب العرفانية…”

مناقبه و كراماته

إن الله سبحانه و تعالى يمنح أولياءه و أصفياءه من خوارق العادات و جلي الكرامات ما يقر به أعينهم ، و ما يجعل جميع الناس يحبونهم ، ويجلونهم و يعتقدون خصوصيتهم عند الله و مكانتهم لديه ، و هذه الكرامات يرثها الأولياء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لقد حبى الله أبا المواهب السائحي رضي الله عنه بمناقب و كرامات تدل على علو مقامه و شريف منزلته عند الله ، وهي كثيرة جدا لنها تعدت طور حياته إلى ما بعد وفاته  و لنُشِر في عجالة إلى أهمها على سبيل الإختصار

– فمنها أنه كان شديد الإتباع للسنة النبوية ، متشبعا بتعاليمها ، متشبثا بأهدابها ، وأجمع أهل الله قاطبة على أن هذه هي الكرامة الحقيقية ، وأنها هي أم الكرامات ، لأنها تدل على محبة النبي صلى الله عليه و سلم المحبة الخاصة الدالة على كمال الإيمان :” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده و الناس أجمعين” 
– و من ذلك ،وهي نتيجة لهذه، أنه كان كثير الرؤية و المشاهدة لمولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقظة و مناما . 
– و من ذلك أنه أدرك أعلى مقام في الولاية وهو المسمى عند أهل الله بالقطبانية العظمى ، و من لازِمِ هذا المقام لا تغيب عنه الذات المحمدية أينما جالت في الملكوت . 
– و منها أنه أدرك الخلافة عن الشيخ سيدي أحمد التجاني رضي الله عنه كما أدرك مقام التربية الخاصة في الطريقة التجانية . 
– و مما كان مشهورا به أنه كان له كشف خارق كفلق الصبح فما حدّث بشيء إلا وقع كما أخبر ، ولا قابله أحد إلا أخبره بما في قلبه قبل أن يكلمه . 
– كما أنه كان له تصرف قوي و سريع النفوذ ، ولازال ذلك بعد وفاته أكثر من حياته . 
– علاوة على خوارق أخرى كان معروفا بها كالبركة في الرزق  و إجابة الدعاء ، و طي الوقت و الذكر و الطريق ، و إبراء العلل الظاهرة و الباطنة ، و إغاثة اللهفان ، و غير ذلك . 
– و قبره رضي الله عنه ترياق مجرب ، فما زاره أحد على أية حاجة كانت بصدق النية ، و صفاء الطوية ، إلا نال فوق ما أمل. 
– وهذا يشهد به القريب و البعيد ، و لا ينكره إلا جحود عنيد ، أعاد الله علينا و على أهلنا و أشياخنا و أولادنا و أصدقائنا و على جميع المسلمين من بركاته آمين  

وفاته

بقي رضي الله عنه على حالته من نفع العباد و من التشمير في طاعة الله و عبادته وفي تربية المريدين و دلالتهم إلى الطريق المستقيم و النهج القويم إلى أن لبى داعي مولاه وأتاه اليقين .
و كانت وفاته رضي الله عنه ليلة الأحد 29 رجب عام 1309 هـ /1891 م على الساعة الحادية عشرة ليلا و قد ناهز عمره الثمانين بعد أن مرض ستة عشر يوما لم يأكل فيها و لم يشرب بل تمادى فيها على الذكر بحيث لم تفارقة سبحته ، فلم ير عليه أثر المرض بل كان يستقبل الواردين و الزائرين إلى آخر يوم ببشاشة و حسن حفاوة كعادته . 
ولما طلع النهار وانتشر خبر وفاته رضي الله عنه حضر الناس من العدوتين من كل الطبقات و من كل الفئات ، فكانت جنازة مشهودة حضرها جمهور غفير ، و صلى عليه تلميذه العلامة أحمد بناني الرباطي و دفن بالروض الذي كان يدرس فيه .
و رثاه جماعة من الأدباء و الشعراء من تلامذته و أصدقائه بقصائد بليغة.
و قام الشريف مولاي أحمد الودغري الزلايجي المكلف بالبناء في البلاط الملكي الحسني بناء قبة فخمة على قبره الشريف.
كما قام الفقراء في حدود سنة 1340 ببناء زاوية بجوار الضريح لإقامة الصلوات و أذكار الطريقة التجانية و نشر العلم

 

مأخوذ بتصرف من ” التعريف بأبي المواهب و المرابح مولانا العربي السائح
لسيدي محمد الأمزالي جازاه الله بمحض فضله 

أنشر على شبكات التواصل الإجتماعي